التضحية أصبحت مرضاً اجتماعياً. نحن نعيش في زمن غريب: صارت التضحية تُطلب، لا تُعطى. تُفرض، لا تُقدَّم. الأقوياء (عاطفياً، اجتماعياً، مادياً) يلعبون بورقة "التضحية" لاستنزاف من حولهم، ثم يسمون ذلك "حباً" أو "واجباً".
تخيل هذا المشهد: شخص يعيش في راحته،يتمتع بكل شيء، ثم يأتي ليخبرك: "أنا أستحق تضحيتك!" لماذا؟ لأنه يريد المزيد.لأن جشعه لا يعرف حدوداً. لأن سعادته لم تعد تكتمل إلا بانتزاع شيء منك.
الأسوأ؟ أننا صدقنا الأكذوبة. صدقنا أن من يحبك يطلب تضحيتك. صدقنا أن التضحية دليل الوفاء. نسينا أنالتضحية الحقيقية صمت، لا ضجيج. هي عطاء، لا منّة. هي اختيار، لا إلزام.
لكن الخبيث حقاً هو من حوّل التضحية إلى تجارة: يطلب منك أن تدفع من وقتك،صحتك، طموحك، حتى أحلامك - ليحصل هو على ما يريد. ثم إذا تذمرت،يقولون: "ما فيك روح التضحية!" كأن التضحية صارت اختباراًللطاعة، لا للعطاء.
هنا المفارقة الأقسى: أعظم تضحية يمكن أن تقدمها في هذا العصر ليست أن تضحي بمالك أو وقتك لمن يطلبه. بلأن تضحي برغبتك في استغلال أحد. أن تضحي بحاجتك لأن تكون"المضحي" في عيون الناس. أن تضحي بلعبة التلاعب العاطفي كلها.
السؤال الذي يخيف الجميع ماذا بقي من الحب الحقيقي في زمن صارت فيه كل علاقة معادلة حسابية؟ كم من"حب" يدّعيه الناس هو مجرد تبادل مصالح مُقنَّع
بغلاف عاطفي؟
التعليقات