كلُّ واحدٍ فينا، مهما ادّعى التسامح والانفتاح، يحمل في زاويةٍ مظلمة من نفسه ظلالًا خفيفة من التمييز. لا نصرّح بها، لكنها تظهر في نظرةٍ عابرة، في تعليقٍ ساخر، أو في حكمٍ سريع على آخر لا يشبهنا في اللون أو اللهجة أو المذهب أو حتى اللباس.
نحن نعيش في مجتمعاتٍ تحترف تربية الفوارق منذ الطفولة، فتزرع فينا "نحن" و"هم" قبل أن نتعلم كيف ننظر في المرآة. يكبر الطفل على تفضيل "من يشبهه" دون أن يفهم لماذا. ثم نصير بالغين نحمل شهاداتٍ عليا، لكننا نظل أسرى تلك العدسة القديمة التي ترى العالم من منظور "الأصل" و"المنبت" و"النقاء".
العنصرية ليست فقط في الشتائم ولا في سياسات الفصل، بل في التفاصيل الدقيقة: أن تظنّ أن لهجتك أفصح، أو أن لون بشرتك أرقى، أو أن منطقتك أكثر تحضّرًا. إنها تلك "الابتسامة المبطّنة بالاستعلاء" التي نمارسها دون وعي، ثم نُقسم أننا لسنا عنصريين.
ما نحتاجه ليس خطبًا جديدة ولا منشورات وعظية، بل شجاعةٌ داخلية لمواجهة أنفسنا. أن نسأل بصدق: لماذا أرتاح لمن يشبهني وأتوتر أمام المختلف؟ ولماذا أتعاطف مع ألمٍ يشبه ألمي، وأتجاهل ألم الآخر لأنه "منهم لا منا"؟
الاختلاف بين البشر ليس خطيئة، بل شرط وجودنا ذاته. الكون ما كان ليزدهر لو كان بلونٍ واحد، أو صوتٍ واحد، أو إيمانٍ واحد. وإذا كنا نبحث عن إنسانيتنا، فلن نجدها في التشابه، بل في قدرتنا على احتضان التنوّع دون خوفٍ ولا تفوّق.
التعليقات