لم تعد لديّ القدرة على الكتابة بسلاسة كما كنت من قبل.

صار من العسير عليّ أن أكتب نصًّا واحدًا بسهولة، أو حتى أن أُشكّل فكرة حول نص جديد.

أشعر بكراهية تجاه الكتابة، وبرغبةٍ مُلحّة في تركها…




تعبت… تعبت من الإلحاح على نفسي لتوثيق كل فكرة جميلة تومض في ذهني.

تعبت من الكتابة نفسها، التي صارت تسرق مني أنفاسي، وسنيني، ولحظاتي البسيطة التي أحتاجها لأعيش، لأتنفّس، لأشعر ولو للحظةٍ بشيءٍ من هذه الحياة.




كنت أهرب إليها في أوقات ألمي، أمّا الآن فقد صارت تؤلمني أكثر.

حتى الكتابة نفسها باتت تؤلمني، في الوقت الذي أنا فيه بأمسّ الحاجة إليها لتخفيف هذه الغصّة التي تعصر قلبي.




أريد أن أترك الكتابة… لأنّي لم أعد أستطيع أن أتركها!

أتمنى أن أستريح من هذا السيل الهائج من الأفكار، ومن تلك الرغبة القاسية في سرد الأحداث وتوثيقها!




أمارسها يوميًا، بحدة، وبإدمان، برغبة في تحسين قلمي، وفي كسر قفلة الكاتب التي تصيب كلّ من يحمل شغف الحرف…

لكنّي… انطفأت.

بات القلم عبئًا على صدري، يثقل أنفاسي، ويزيد وجعي كلّما حاولت التنفّس!

أود أن أتركها لأرتاح، لأعيش بهدوء، لأستمتع ولو ببرهة بسيطة؛ دون أن تتسلّل الكتابة لتفسدها عليّ!




أريد أن أستريح.

أريد أن أترك الكتابة

سئمتها.

لقد أرهقتني أكثر من أي شيء آخر.




تبًا!




حتى كتابة هذه السطور الآن… لم تَعُد سوى سخرية!

فقدت الحروف دفءَها، وغابت الروح عن النصوص.

كلّ شيءٍ صار باردًا، حتى نفسي الجميلة، التي كنت أستمدّ منها الحرف… تكبّلت!




ما عُدتُ أرى فيها جمالها القديم،

ولا نشوتها التي كانت تُغويني في لياليَّ الطويلة!

كلّ شيءٍ صار باهتًا، حتى الحروف التي كانت تلمع في عيني، لقد سُرقت لذّتها،

أو لعلّي أنا من فقد القدرة على تذوّقها!




وأقسى ما في الأمر،

أنني لا أملك شجاعة الفِكاك منها،

ولا رغبة البقاء معها!

معلّقٌ بين الموت والحرف، بين الرغبة في الصمت، والعجز عن احتمال الصمت نفسه!




لقد انطفأت…

ولم يَبقَ منّي سوى رمادِ كاتبٍ أنهكته الحروف،

وسطورٍ يتيمةٍ كتبها وداعًا للحرف، وللحياة التي كانت يومًا تُولَد من بين سطوره!




ستُدرك الكتابة أنّي كنتُ صادقًا معها،

وأنّي لم أكن يومًا خائنًا،

وأنّي كنتُ مُخلِصًا حتى الفناء!




لكنّي اليوم أستسلم…

أريد أن أتركها كما يترك عاشقٌ حبيبته، خوفًا من أن يقتلها حبُّه!

أتركها… لأنّي لم أعد أحتمل!

أتركها… لأنّي أريد أن أنجو منّي!




سأتركها، ولو مزّقني فراقها!

سأتركها، ولو صرخت الحروف في صدري تستغيث!

لعلّها تُنسيني أنّي كنتُ يومًا… كاتبًا!




وربما أجد نفسي من جديد،

بعيدًا عن الحروف، بعيدًا عن الألم… أعيش حُرًّا أخيرًا!




فكري محمد الخالد