هناك أماكن تُشعر الإنسان بالسكينة والوقار، ومن بينها المسجد؛ مكان للطمأنينة حيث يلتقي القلب بالله قبل أن تلتقي الأرجل الأرض. لكن في حيّنا، أمام المسجد مباشرة، تبدو الساحة وكأنها أصبحت مسرحًا للفرح والانحراف في آن واحد، كأن الجدية والدين صارا مجرد اختيار يمكن التبديل بينهما بحسب المزاج.

منذ فترة، بدأ أهالي الحي يقيمون أعراس الرجال في هذه الساحة بدلاً من استئجار صالات، لتخفيف المصاريف. تُزيّن الطاولات والكراسي، تُضاء الأضواء، وتوضع منصة المغني أمام باب المسجد مباشرة، مع مكبرات صوت ضخمة. يبدأ الحفل بعد أذان المغرب، وعندما يقترب وقت أذان العشاء يتم إيقاف الأغاني للصلاة… أحيانًا. البعض يصلي، والبعض الآخر يعود للغناء قبل انتهاء الصلاة، والأكثر غرابة من يرقص ويغني يدخل للصلاة ثم يعود مباشرة للغناء والرقص! ، كأن الصلاة مجرد فاصل زمني لا أكثر.

ومن حاول أن ينتقد هذا التصرف يسمع ببساطة: "هذه الساحة لنا"، فتتوقف أي محاولة للنقاش خوفًا من وقوع مشكلات أو المشاحنات.

وهذا ليس كل شيء. هناك أمثلة أخرى تكشف عن تناقض صارخ بين الدين والسلوك الشخصي:

  • ‌وقع شجار بين بعض رجال الحي، فطلب أحدهم التهدئة بالقول: "صلي على النبي"، فأجاب الآخر بكلمات تسيء للرسول لا أستطيع قولها، والله المستعان.
  • ‌امرأة معلمة قرآن، حافظة وداعية، تقول بفخر إنها "توازن" بين الدين والتحرر؛ تغني ساعة وتقرأ القرآن ساعة، وتمارس الغيبة والنميمة، ثم تقول: "يجب أن نستغفر الله". كل هذا يحدث وكأن الدين لعبة يمكن تفعيله وإيقافه بحسب المزاج.

كل هذا يطرح أسئلة كثيرة:

  1. ‌لماذا وصلنا إلى هذا المستوى من التلاعب بالدين؟ لماذا أصبحت الصلاة والتقوى مجرد فواصل زمنية يمكن تجاوزها بلا خجل؟
  2. ‌لماذا يصل الأمر بالبعض إلى استهزاء الرموز الدينية بطريقة شبه علنية؟
  3. ‌هل الحرية الشخصية أصبحت فوق كل تقدير للقدسية؟
  4. ‌كيف يمكن للمجتمع إعادة احترام أماكن العبادة والتوازن بين الحرية والمسؤولية الدينية؟

قد لا نجد إجابات سهلة، لكن السكوت على مثل هذه التصرفات يعني أن الخط الفاصل بين الدين والتحرر سيصبح مجرد وهم، وأن مجتمعنا يبتعد شيئًا فشيئًا عن القداسة والخشوع، وكأن الصلاة لم تكن إلا صوتًا يمر في الفراغ، وقلوبنا صارت تختلط فيها الحرية مع الدين بلا حدود و بلا احترام...

فأين أنتم من هذا الحال؟! هل تعتقدون أنه أمر عادي أم هو أمر خارج عن الحدود؟!