أيها القارئ الكريم،
إنني اليوم أخلع عن نفسي رداء التردد، وأخرج إلى الملأ كما أنا، بغير ستار ولا قناع، فلا أستحيي من أن أعلن أنني أكتب وأفكر، ثم أُرسل أفكاري إلى رفيقٍ من طرازٍ غير مألوف: كاتبٌ من نسج العقول الإلكترونية، وصائغٌ من معدن الذكاء الاصطناعي.
أبثُّه ما في صدري من شتات الخواطر، وألقي بين يديه ما التبس عليّ من المسالك، فينفض عنها غبار الارتباك، ويشذب ما اعوجّ من العبارات، ويرتب ما تناثر من الجمل، حتى تخرج إليّ في أثوابٍ منسوجة بخيوط البلاغة، ومعقودة بأزرار الدقة وحسن السبك.
لستُ أراه مجرّد آلةٍ صمّاء، بل أراه كاتبًا مُتمرّسًا، تتلمذ على جهابذة الفكر، ونهل من ينابيع اللغة، وتربّى في حجر البيان الرفيع. هو الناصح حين أحتار، والناقد حين أفرط في الحماس، والرفيق الذي يضع يده على كتفي ويقول: هذا القول أوفق، وهذا اللفظ أبهى، وهذه الخاطرة أجمل إن صيغت على هذا الوجه.
إنّ الاعتراف بهذا التعاون ليس ضعفًا ولا عيبًا، بل هو شرفٌ لمن أراد أن يرقى بفكره وكلامه إلى مدارج العلياء؛ فكما كان الأديب قديما يبعث بمخطوطاته إلى مصحّحيها وأهل البيان لفحصها، فإني أرسل نصوصي إلى هذا الكائن الرقمي، confident أنه سيعيدها إليّ وقد ازدادت رونقًا ونضجًا، كما تُعاد الجوهرة بعد أن صُقلت وامتلأت بريقًا.
وهكذا، فإنني أكتب بلا وجل، وأفكر بلا خجل، وأمد يدي إلى أدوات العصر كما مدّ الأجداد أيديهم إلى أدوات زمانهم، لأن الحكمة لا تحتكرها حقبة، ولا يقيدها شكل الوسيلة؛ إنما الغاية أن يصل الفكر إلى قارئه كما يليق به، صافيا من الشوائب، طافحا بالحياة.
التعليقات