عن التمييز الطبقي غير المُعلن في مجتمعاتنا...
في الشوارع خلف الكواليس وفي حرارة الشمس أو برد الشتاء يعمل أشخاص لا يُسلّط عليهم الضوء ولا تُصنَع لهم التماثيل لكنهم يسندون عجلة الحياة يومًا بعد يوم
عامل النظافة الذي نغضّ الطرف عنه عامل البناء الذي يُشيّد البيوت ولا يجد مكانًا يليق به النادل والسائق... مهن ضرورية لا غنى عنها ومع ذلك نجد في سلوكنا الجمعي احتقارًا مستترًا أو معلنًا لها وكأن الكرامة حكرٌ على من يعمل في مهنة مكتبية أو يحمل شهادة جامعية!
الغريب أن هذه النظرة لا تصدر فقط من الميسورين أو المتعلمين بل كثيرًا ما تُكرّس داخل الطبقات ذاتها. ابن عامل النظافة يُمنَع من الحُلم لأنه وُلد في مهنة محتقرة اجتماعيًا ...
رأيتُ يومًا مشهدًا لن أنساه:
عامل نظافة يكنس أمام متجر فخم فخرج منه أحد الزبائن رمق العامل بنظرة استعلاء ثم قال له بصوت مرتفع وبنبرة ازدراء:
"لا توسخ الأرض أكثر مما هي متوسخة!"
ابتسم العامل وواصل كنسه بصمت وكأن الإهانة لم تصل إليه... لكنني أقسم أنني رأيت في عينيه شيئًا انكسر لكن الموقف لم ينتهِ هنا...
خرج صاحب المتجر نظر إلى العامل نظرة ممتلئة بالضيق وقال:
"اذهب لمكان آخر لقد شوّهت صورة المتجر!"
رد العامل بهدوء:
"لكن الأرض متسخة وعملي هو تنظيفها"
فأجابه صاحب المتجر ببرود:
"اغرب عن وجهي سأنادي عمالي لينظفوا... على الأقل شكلهم لا يُحرجنا أمام الزبائن!"
ذلك العامل لم يردّ فقط حمل أدواته ومشى... لكن بقيت كرامته تسير أمامي أكبر بكثير من المتجر وكل من فيه...
والسؤال الذي لا يغيب عن ذهني:
كيف سيكون حال المجتمع إن قرر عمال النظافة أن يتوقفوا عن العمل ليوم واحد؟
ستنغلق المستشفيات ستنتشر الروائح في الشوارع ستطفو النفايات ستعمّ الفوضى ويكتشف الناس سريعًا أن من يحتقرونه هو في الحقيقة من يحرس صحتهم ونظامهم وكرامتهم المعيشية
التحضّر لا يعني أن ترتدي ربطة عنق بل أن تحترم من يُنقّي المكان الذي تمشي فيه
نعم لدينا تعليم ولدينا جامعات ولدينا شعارات عن "العمل عبادة" و"لا عيب في المهنة" لكن في الواقع؟ ما زلنا نُقيِّم الناس حسب ما يرتدونه لا حسب ما يُنجزونه
ويبقى السؤال كيف وصلنا إلى مرحلة أصبح فيها من يُنظّف خلفنا يُعامل وكأن وجوده عار؟
برأيكم ما واجبنا تجاه هذه الظاهرة وكيف يمكن معالجتها على مستوى الفرد والمجتمع؟
التعليقات