في مجتمعاتنا الاسلامية، لا شيء يُعبّر عن الحب والتقدير مثل الهدايا. ولكن، متى يتحول هذا التعبير الجميل إلى عبءٍ ثقيل؟
حين تصبح الهدية التزامًا اجتماعيًا لا مفر منه، لا لشيء سوى لأنها أصبحت عرفا إلزاميا . تغيب فيه النية الصادقة لتحل محلها المجاملة الإجبارية، وتتحول الهدايا من رمز للمودة إلى أداة للمفاخرة أو وسيلة للحفاظ على "المظهر".
هذا النمط لا يقف عند حدود المناسبات، بل يتجلى بشكل أوسع في مؤسسة الزواج. فبينما يُفترض أن يكون الزواج ميثاقًا غليظًا يجمع بين شخصين برضا وطمأنينة، تتحول حفلات الزفاف إلى مهرجانات تنافسية، وتُقاس السعادة بكم الذهب وعدد الصحون. تغيب البساطة، وتحضر القروض والديون، فقط ليتوافق الزفاف مع أعرافٍ لا أصل لها في الشريعة، لكنها تستمد قوتها من هكذا يفعل الناس.
بل إن هذه الأعراف، في كثير من الأحيان، تطغى على ما جاءت به الشريعة من تيسير ورحمة. يصبح الالتزام بالعادات أهم من الالتزام بالمنهج، في صورة قد يكون فيها معيار القبول الاجتماعي أهم من رضا الله. تُفرض أدوار، وتُقيّد اختيارات، ويُقابل كل من يحاول التخفف من هذه الأعباء باتهاماتٍ تتراوح بين البخل إلى قلة الأصل.
حتى صلة الرحم والتي تعد من أعظم القربات لم تسلم من هذا العبء. فبدلاً من أن تكون وصلاً برحمة، صارت في بعض الأحيان سببًا للضيق والتعب النفسي. نُجبر على تكرار اللقاءات المؤذية بدعوى الواجب، ونتحمل أذى الأقارب تحت شعار "صلة الرحم لا تُقطع"، متناسين أن الشريعة نفسها وضعت حدودًا لدرء الضرر.
وبينما نعيش في صراع دائم بين ما نريده فعلاً وما يُفرض علينا مجتمعيًا، يبقى السؤال الأهم:
هل نستطيع إعادة تعريف "العلاقة الصحية" في مجتمع يرى في الانفصال ضعفًا، وفي المواجهة وقاحة، وفي التغيير خيانة للتقاليد؟
التعليقات