ما نسعى إليه في حياتنا كيف نعرف ما إن كان طموح صحي أم جشع وطمع مدمر ؟


التعليقات

السعي نحو الأهداف والطموحات هو جزء طبيعي من حياتنا، ولكن التمييز بين الطموح الصحي والطمع والجشع يمكن أن يكون معقدًا، خاصة في الظروف الصعبة.

والتمييز بين الطموح والطمع يعتمد على كيفية تأثير السعي نحو الأهداف على حياتك النفسية والجسدية. السعي لتحقيق الأهداف يجب أن يكون بنية تحقيق الرضا والنمو، وليس مجرد الحصول على المزيد بأي ثمن. الاهتمام بصحتك النفسية والجسدية هو جزء أساسي من الطموح الصحي.

كتبت سابقا مساهمة عن كون السعي طموحا صحيا او استنزافا للنفس والذي يمثل الطمع والجشع هنا في مساهمتك، رغم أني خصصت السعي للمال والثراء وانت هنا عالجت السعي بمفهومه الشامل وليس في المال فقط، و قد كان رأيك في مساهمتي أن الأمر يتغير بحسب الحال، أي ان حجم السعي يختلف لو كان وحيدا او متزوجا وغيره.. وفهمت رأيك الان بشكل أكبر بعد ان ذكرت ماحدث بعد وفاة والدك رحمه الله، ففي هذه الحالة ازدادت المسؤولية لديك وانتقلت من حال الى حال آخر لذلك ارى أنه من الطبيعي أن يزداد حجم سعيك هنا لاستيعاب هذه المسؤولية والتكيف مع الحالة الجديدة التي انتقلت اليها.

ما طرحته يعكس حالة شائعة نمر بها جميعًا في مراحل معينة من حياتنا. أرى الطموح ينبع من الرغبة في التطور الذاتي وتحقيق أهداف تنسجم مع قيمنا وأحلامنا، وغالبًا ما يكون مصحوبًا بشعور من الرضا حتى عند مواجهة الصعوبات. أما الطمع، فهو حالة من الرغبة اللامتناهية في المزيد دون مبرر حقيقي، حتى لو كان ذلك على حساب صحتنا النفسية والجسدية. الطمع يدفعنا إلى السعي لمجرد السعي، دون تفكير في حاجتنا الحقيقية لما نسعى إليه.

مررت بتجربة مماثلة عندما فقدت أحد أفراد عائلتي جدتي، حيث شعرت بأن الوقت أصبح ثمينًا للغاية، وأن عليّ استغلال كل لحظة لتحقيق إنجاز ملموس. قمت بقبول مهام أكثر مما أستطيع تحمله، ظنًا أنني أُثبت لنفسي أنني قادر على تخطي الألم بالعمل المستمر. لكن النتيجة كانت عكسية، حيث شعرت بالإرهاق العاطفي والجسدي، واضطررت لاحقًا إلى إعادة تقييم أولوياتي.

برأي إن السعي المفرط نحو الأهداف لا يعكس دائمًا طموحًا صحيًا، بل قد يكون علامة على رفضنا مواجهة مشاعر الحزن أو الضعف. عندما نغمر أنفسنا بالمشاريع، فإننا نهرب أحيانًا من مواجهة الأسئلة الصعبة التي نخشى التعامل معها، مثل: "هل أنا بخير؟" أو "لماذا أشعر بهذا الثقل؟". هنا، يجب أن يكون لدينا وعي بمسارنا، وأن نسمح لأنفسنا بالراحة عندما نحتاج إليها.

أولا الله يرحم أبك ويغفر له, انا ايضا بعد وفاة أبي، ، شعرت أن العالم توقف فجأة. لم يكن الحزن مجرد شعور، بل حالة من الثقل التي رافقتني في كل شيء. توقفت عن العمل لفترة قصيرة، اعتقدت أنها كافية لاستعادة توازني، لكنني عندما عدت شعرت أنني لست الشخص ذاته.

بدلاً من التمهل وإعادة التفكير، ألقيت بنفسي في دوامة العمل. وضعت نفسي على رأس عدة مهام، كأنني أحاول الهروب من ذلك الفراغ الذي خلفه غيابه. كنت أعتقد أن الانشغال سيخفف الحزن، لكنه زادني إنهاكًا. كل مشروع كنت أبدأه كان ينقلني من شعور بالعجز إلى شعور بالثقل.

مع مرور الوقت، بدأت أسأل نفسي: ما الذي أسعى إليه حقًا؟ هل أحاول تحقيق إنجازات؟ أم أنني فقط أهرب من مشاعري؟ حينها قررت التوقف والتفكير في الطريقة التي أتعامل بها مع أهدافي.

اخترت أن أعمل على مهمه واحد فقط، لكن بكل طاقتي. أدركت أن الإنجاز الحقيقي ليس في كمية ما أقوم به، بل في جودة ما أحققه، وفي أن أجد وقتًا لنفسي، لأتعافى وأمنح مشاعري الفرصة لتأخذ مجراها الطبيعي.

اليوم، وأنا أرى خطواتي أكثر وضوحًا، تعلمت درسًا مهمًا: الحزن لا يُهزم بالهرب، بل بالمواجهة، والعمل هو أداة للتوازن وليس للهروب.

رحم الله والدك، أحيانًا لا يكون الدافع طموحًا أو جشعًا، في مثالك مثلًا أشعر أنك دفعت بنفسك على رأس تلك المشاريع في وسط الظروف الصعبة ربما لإلهاء نفسك عنها؟ أرى ذلك في والدي أيضًا كثيرًا ما يقحم نفسه في أعمال إضافية بمكاسب أقل لأنه يكره الفراغ ويحب الهاء نفسه في العمل، ولكن عمومًا إن لم يكن كذلك فهو من المستبعد أن يكن جشعًا، لأن العامل الرئيسي في كون فعل ما جشعًا أم لا هو السعي لتحقيق المكاسب على حساب الآخرين.


ثقافة

مجتمع لمناقشة المواضيع الثقافية، الفكرية، والاجتماعية بموضوعية وعقلانية. ناقش وتبادل المعرفة والأفكار حول الأدب، الفنون، الموسيقى، والعادات.

99.8 ألف متابع