الفرق الوحيد بين الحقيقة والخيال هو أنك تؤمن بوجود الحقيقة لذلك يعتبر الوهم إيمانا بحقيقة الخيال.

ولأن الدماغ البشري لا يفرق بين الخيال والحقيقة ويخزن كليهما في الذاكرة، فإننا كبشر نخلط بين الاثنين في مواضع كثيرة من حياتنا، ومن أشهر مواضع الخلط بينهما هوالبناء على مبدأ المفروض، وما هو إلا وضع إفتراضي مثالي من وجهة نظر شخص أو مجموعة أشخاص يستخدمونه كمرجعية للحكم على الأنماط في حياتهم إن كانت صحيحة أم خاطئة، وهذا البناء على أمر تخيلي هو من أهم أسباب الفشل والصدمة والتفكك المجتمعي والآفات الاجتماعية.

لأننا عندما نحكم على أنفسنا على أو على الآخرين بحكم سلبي بناء من تصور خيالي عن الوضع المثالي من وجهة نظرنا فإنا نتجاهل الواقع بكل معطياته والتي منها طبيعة وإمكانيات الشخص الذي نحكم عليه، مما يؤدي إلى سلسلة من ردود الأفعال الغير سوية التي تبنى كلها على جملة "كان المفروض".

عندما تقارن ام ابنها مثلاً بأقرانه المتفوقين عليه دراسياً وتفترض عليه أنه ليس أقل منهم في شيء، وأنه كان من المفروض أن يصبح أفضل منهم، فهي تتجاهل هنا عوامل مهمة كالحالة النفسية والجسدية للطالب، والبيئة المحيطة به ومقدار الدعم الذي يحصل عليه وغير ذلك من المعطيات المهمة التي كان يجب وضعها في الحسبان، مما ينتج عنه تمادٍ في الإهمال واليأس من الدراسة بالنسبة للطالب، لأنه بات يعلم بأن لا مجهود له مقدر، وهذا ما يجعل البناء على المفروض من أسوأ وأسخف طرق التفكير على كافة المستويات.

ومن أشهر الأنماط الفكرية والسلوكية المبنية على فكرة المفروض هما العنصيرة والتنمر، حيث أنهما مبنيان على افتراض عيوب أو صفات غير مرغوبة في إنسان بناء على فرضية الشكل المثالي، التي لا يمكن توافرها في أيٍ كان، إنما هي تصورات مثالية خيالية لا أساس لها، ومن تلك السلوكيات أيضا فلاتر الصور التي تغير من شكل الوجه تماماً، فيعتبره صاحب الصورة شكله المثالي الذي كان يفترض أن يكون عليه، وما هو في الحقيقة إلا تشويه غريب لا معنى له، لكن فكرة البناء على وهم المفروض جعتله يظن بأن هذا شكله في أفضل حالاته.

وبهذة الطريقة يظهر لنا تأثير وهم المفروض على حالتنا النفسية وعلاقاتنا الاجتماعية، بينما الأفضل فعلًا هو البناء على الواقع، وليست المسألة هنا مسألة خضوع للوضع الراهن، بل هي مسألة رضا المعطيات الحالية مع سعي لتعديل المسار، فإذا رسب الطالب في امتحان يبدأ تصرفه هنا من مراجعة ومعالجة أسباب الرسوب  وليس من لوم نفسه على عدم تحصيل درجة كان من المفروض أن يحصلها، لأن هذا عمليا لا معنى له الآن.

علينا في حالة التعرض لموقف سلبي الإقرار بالواقع العملي الحالي لا الوضع المفترض، لأن البناء على الواقع هو ما يسهل ويبسط معالجة الأمر بسرعة، لكن التركيز على الوضع المفترض المتخيل، ما هو في الحقيقة إلا إنكار للوضع الراهن وتهرب من المسؤلية التابعة له.

والسر هنا في مبدأ التقبل وعدم المقاومة، فإن اكتشف احد ما أنه مدمن على عادة ما، فإن البناء على فكرة المفروض وتجاهل الامر بناء على إنكار حالة الإدمان والتفكير بأنها مجرد عادة سيئة سيقلع عنها متى أراد لن يحل المشكلة وهو بناء على وهم، أما الاعتراف بالمشكلة والبحث عن حلول هو أول ما يمكن أن يوصلك للحل بشكل أسرع وأفضل بكثير.

فالمشاكل والأخطاء والعقبات طبيعية، وهي جزء لا يتجزأ من طبيعة الحياة، وافتراض كونها غير طبيعية هو وهم بشري مخض، فالغابات تحترق في مواسم الحر، والأعاصير تتشكل في مواسم البرد، والأمراض تنتشر في مواسم الربيع، والجفاف يحل ببعض البلدان لسنوات عديدة، ومن هنا نرى أن الكوارث هي جزء لا يتجزأ من نسيج الحياة وليس من المفترض ألا تحدث، بل إنها من الطبيعي أن تحدث، فلا توجد علاقة دون مشاكل ولا عمل بدون أخطاء.

فإن بدأنا ونحن نفترض المثالية من وجهة نظرنا نحن، فقد فقدنا تواصلنا مع الواقع وحين تفاجئنا الأزمات وتصدمنا الحوادث، ننكر أنها كانت ستحدث أصلا بدلاً من معالجة أسبابها، وما كان سبب صدمتنا من الأساس إلا افتراض عدم وجودها، وهي أصلا جزء لا يتجزأ منا ومن الحياة.