الجمهور كسول في أيامنا هذه – جورج بولتي-: متى يرضى المثقفون عن الجمهور؟

اعجبني اسلوب ابن خلدون وطه حسين كما تفضلت في نقد الجمهور وكانت طريقة ذكية لتحفيز التفكير النقدي لديهم ولكسر الحواجز وتحدّي الافتراضات، منا أدت إلى تنمية الوعي الذاتي والفهم للمجتمع وإحداث تغيير إيجابي في القيم والسلوكيات.

الأكيد أن جمهور الناس في معظم الأوقات والعصور والأماكن إلا من رحم ربي لا ولم يتسموا بالثقافة العالية أو بالمعرفة الكبيرة في معظم المجالات، لكني بصراحة أجد تزمر "المثقفين" من هذا - مع أن هذا المصطلح أصبح في رأي سيء السمعة - يعد مشكلة فيهم أكثر ما هي في الجماهير فمن يخاطب أشخاص معينين يجب أن يعرفهم ويعرف كيف يخاطبهم ليوصل لهم العلم والمعرفة بشكل مناسب لكن أن يظل يشتكي من أن العامة لا تفهمه أمر مثير للأعصاب صراحة ولا ينم عن شخصية متوازنة نفسيًا

مشكلة الجمهور مع المثقفين هو صراع قديم متجدد، بينما يلقي بعض المثقفين باللوم على جهل الجمهور لتفسير عدم فهمهم لفنونهم أو أفكارهم، يرى آخرون أن دور المثقف هو الارتقاء بوعي الجمهور بدلا من السخرية منه.

أما في حالة مسلسل الضاحك الباكي، يمكننا تحليل الموقف من زوايا مختلفة:

من وجهة نظر المؤلف: قد يكون محقا في بعض النقاط، فالفن لغة إبداعية لا يفهمها الجميع بالشكل نفسه.

من وجهة نظر الجمهور: قد يكون محقا أيضا في شعوره بالاستياء من هجوم المؤلف، خاصة إذا لم يكن مؤلف معترف به ثقافيا.

لكن، لا يمكننا إغفال دور المثقف في الارتقاء بوعي الجمهور، ابن خلدون وطه حسين مثالان على مثقفين ناقشا مشكلة الجمهور ووضعا حلولا لتحسينها.

اتعرف يا حمدي، الوضع هكذا فعلا في كل الأوقات وكل الأزمة .

المثقف ناقم على الجمهور والجمهور ناقم على المثقف ، وكلاهما يتهم الآخر بأنه هو سبب المشكلة .

المثقف متهم بالعمل للصالح السلطة والنظام، والجمهور متهم بأنه بليد وغبي وتبقى لعجلة تدور دائما.

لكن أعتقد كما دائما أن المشكلة مشكلة المثقف في أغلب الأحيان وهو من يجب أن يتحمل مسؤولية غباء جمهوره ، يعجبني الوصف ادوارد سعيد في كتابه الألهة التي تفشل دائما أن المثقفين هم نخبويوا الزيف في أغلبهم، أنه محسوبون على النخبة لكنهم لا يحققون شيء ذا بال في تغيير هذا الجمع من الحمقى كما يسميهم سلافوي جيجيك ......

انصح بقراءة الكتاب بشدة :

تظاهر المشكلة التي تُعرّف بـ"الجمهور الغير مثقف" ليست فقرة جديدة في التاريخ ولكنها تعرّف إلى تجربة متكررة ومتواجدة في عصور مختلفة.

جورج بولتي في مقدمة كتابة الستة والثلاثون في القرن التاسع عشر في فرنسا توجه إلى تواجه الجمهور بالمراجع والكتب المهمة ويكتفون بالقليل الذي يجدونه أمامهم. برأي مشكلة الجمهور هي عدم التواصل معه بشكل أفضل وطريقة بسيطة لتوضيح المشاكل التي تواجهه فهل يحتاج الجمهور إلى مثقفين جدد؟

ليست هذه السؤال بالضرورة يجوز تجاوزه في عصرنا الحالي بل يجب على المثقفين والجمهور جماهرة وتعاون في تحسين التواصل والتعليم بشكل أفضل.

دعني أنقل المشكلة من وجهة نظري كصانع أفلام ، وما يعادل المثقفين في الأدب يوجود النقاد في السينما ، وبأفتراض أن صانع الأفلام شخص مطلع ثقافياً سواء كان مخرج أو كاتب أو منتج ستجد أنهم هم أيضاً يتعالون على الجمهور ويتعاملون معه من مبدأ ((أن الجمهور هو من يجب أن يرتقي بزوقه لا أن نهبط نحن إليه)) ورغم أن هذا قد ينتج عنه بعض الأعمال الجيدة جداً بالمناسبة لكنها تفتقد للتواصل مع الجمهور العادي ، فيمكن أن تؤثر في الجمهور العادي نصيحة يقدمها فيلم محمد سعد من خلال شخصية اللمبي أفضل 10 مرات مثلاً من نصيحة يقدمها أحمد ذكي في فيلم أرض الخوف، لذا يوجد صناع الأفلام الذين يتشابهون مع طريقة تفكيري حيث يتم تبسيط بعض الأفكار الفلسفية أو الفكرية أو الأدبية أو العلمية المعقدة ويتم إعادة صياغتها في قالب تجاري لتنتج أفلام عبقرية مثل فيلم البيضة والحجر أو معالي الوزير أو خالي من الكليسترول أو الكيف ألخ .

لكن للأسف كثير من تلك الأفلام لا تجد الأهتمام الكافي والمستحق والزخم الجماهيري المستحق لكونها في عيون الغالبية أشبه بفكرة اللذين رقصوا على السلم يرغبون في بلح الشام وعنب اليمن .......... إلا من تجارب قليلة تنجح لكون صناعها مدركين جيداً ما يقومون بصنعه فيتم صناعة خطة تسويق مثالية تبدأ من لحظة تنفيذ العمل وأختيار منفذيه وحتى كيف ستتواصل مع الجمهور المناسب ، لذا تنجح أعمال وتفشل أخرى