كَان الاعْتقَاد السَّائِد سَابقاً، أنَّ الدِّمَاغ يُشْبِه الخَرَسانَة فِي بِنْيته. بَعْد أن يَتَشكَّل فِي مَرْحَلة الشَّبَاب، يَتَماسَكُ بِسرْعة فِي شَكلِه النِّهائيِّ. وَحَالمَا نَبْلُغُ العشْرينيَّات مِن اَلعُمر، لَا تُنْتَجُ أيُّ خَلايَا عَصَبيَّة جَدِيدَة أو تَتَشكَّل دَوائِر عَصَبيَّة جَدِيدَة. أمَّا اليَوم، فقد اِكتشَف مَجمُوعة مِن عُلَماء النَّفْس والأحْياء، إِشارَات تُشير إِلى أنَّ الدِّمَاغ البالغ مَا زال مُطيعًا أو "مرِنًا". وأشَارُوا إِلى إِمْكانيَّة تَشكِيل دَوائِر عَصَبيَّة جَدِيدَة طَوَال فَترَة حَياتِنا.

 مِن التَّغْييرات الشُّموليَّة والرَّائعة هِي تِلْكَ اَلتِي تَحْدُث اِنْطلاقًا مِن تَلَفٍ فِي الجهَاز العصَبيِّ. وَهذِه التَّجارب تُشير إِلى أَنَّه إِذَا أُصيب شَخْص مَا بِالْعَمى على سبيل المثَال، فَإِن اَلجُزْءَ المسْؤول عن مُعَالجَة المحفِّزات البصريَّة فِي الدِّمَاغ لَن يَخرُج مِن نِطَاق العمَل. بل سَتُسَيْطِر دَوائِر جَدِيدَة على مُعَالجَة المحفِّزات السَّمْعيَّة. وَإذَا تَعلَّم الشَّخْص القراءة بِطريقة (بْرَا يْلْ)، سَيتِمُّ تَعدِيل القشْرة الدِّماغيَّة البصريَّة لِاسْتخْدامهَا فِي مُعَالجَة المعْلومات المرْسلة مِن خِلَال حَاسَّة اللَّمْس. كمَا أنَّ هُنَالِك إِمْكانيَّة لِحدوث تغيُّرَات غَيْر مُستحَبة فِي العمل الاعْتياديِّ اَليوْمِي لِعُقولنَا. إِذ تُظْهِر التَّجارب أَنَّه كمَا يُمْكِن لِلدِّمَاغ أن يُنْشِئَ دَارَات جَدِيدَة أو دَارَات أَقوَى مِن خِلَال المُمَارسَة البدنيَّة أو العقْليَّة، فَإنَّه يُمْكِن لِهَذه الدَّارَات أن تُضْعَفَ أو تَتَلاشَى فِي حَال تَجَاهلهَا.

 إِذَا مَا تَوَقفنَا عن مُمَارسَة مهَاراتنَا العقْليَّة، فلن ننْساهَا فحسْب، بل إِنَّ المساحة المخصَّصة لَهَا على خَرِيطَة الدِّمَاغ ستُخَصَّص لِلْمهارات اَلتِي نُمارسهَا بدلا عَنهَا. وقد يَكُون لِلْمهارات العقْليَّة اَلتِي نُضحِّي بِهَا نَفْس قِيمَة المَهَارات اَلتِي نكْتسبهَا أو أَكثَر. وَهذَا لَا يَعنِي أَنَّه لَا يُمْكننَا بِتَضَافُر اَلجُهود أن نُعيد تَوجِيه إِشاراتنَا العصبيَّة مَرَّة أُخرَى ونعيد بِنَاء المهارات اَلتِي فقدْناهَا. وَلَكنَّه يَعنِي أنَّ المسارات الأساسيَّة تصبح المسَارات ذات المقَاومة الأقلِّ. وَهِي المسَارَات اَلتِي نَسْلُكهَا فِي أَغلَب أوقاتِنا، و كُلَّمَا توَغَّلنَا في هذه المسَارات أكثَر أصْبَحَ من الصَّعب أنْ نعُود أدرَاجنَا لأدْمغَتِنَا.