" قبل عشر سنوات من الآن، أي في عام 2014، كنتُ في التاسعة عشر من عمري عندما أمسكت بالحاسوب لأكتب أول رواية لي.

كانت تجربة مثيرة حملت كماً هائلاً من الأحاسيس: الخوف، الرهبة، الشجاعة، الحماس، وحتى صداع الرأس والعزلة الاجتماعية.

أثرت فيّ روايات أغاثا كريستي كثيرًا، لذا كتبت أول رواية لي في نوع الجريمة والغموض. وعندما بدأت في كتابتها، لم أكن أتخيل أنني سأجلس لعام كامل وأنا أخطّها، ولكن وجدت نفسي قد كتبت ما يقارب الأربعمائة صفحة وأضفت علامة 'يتبع'، أي أن هناك جزءًا آخر قادم.

كنت متحمسًا لدرجة أنني لم أكن أنظر إلى أبعد من كتابة هذه الرواية. لكن صدمني بعد ذلك أن دور النشر لن تغامر بنشر رواية ضخمة لكاتب مجهول، مهما كانت جمالية الرواية.

لم أستطع نشر تلك الرواية، لكن استطعت جمع عشرات الردود السلبيّة من دور النشر التي أثنت على الكتاب، ثم تتبع الثناء بالاعتذارات أو العروض المالية الخيالية التي لم أكن قادرا عليها.

الأمر برمته كان كالحلم الذي انتهى قبل أن يبدأ، أردت الكثير ثم لم أجد شيئًا. عمّرت قصرًا في السحاب، فكان مجرد سراب.

استطعت أن أشجع نفسي كثيرًا وبدأت في كتابة الجزء الثاني من الرواية حتى قبل أن أنشر الجزء الأول. لم يكن الأمل في النشر محركًا لجهودي، بل كان شغفًا لا ينتهي بالكتابة التي وجدتّ فيها شخصيتي ونفسي وكلّي.

توقفت عن كتابة الجزء الثاني عند الصفحة المائتين، فقد تيقنتُ من أنني أعيد نفس الخطأ الأول، وأنّني في صدد كتابة رواية ضخمة لن ترى النور كالأولى.

جلست مع نفسي أفكر وأزيد، وكمن يترك ابنه وحيدًا في السوق، تركت الرواية الثانية على أمل أن أكملها يومًا ما. وقد مرّ عليها الآن تسع سنوات كاملة.

شرعت على مدار العشر سنوات في كتابة كل أنواع الروايات، من البوليسية إلى السياسية إلى الفلسفية إلى التاريخية.

يكذب من يقول أن الأمل ليس له مكان في قلوب اليائسين، فقد كان كذلك في قلبي بين ثنايا الألم المتواصل من الرفض المتكرر لدور النشر على مر السنوات. تعددت الحجج وكلها تنتهي بالرفض.

ولدت الكوميديا الآدمية في عام 2017، ولن أكذب إن قلت إنني لم أعرضها على كثير من دور النشر، رغم أنني اهتممت في تلك المرة بالحجم وكتبت رواية في حدود المائة صفحة، لكن الرفض أتى بشكل مختلف، رفض أتى على شاكلة نبذ كل ما يتعلق بالروحانيات بشكل عام، وكل ما هو غير مفهوم بسلاسة بشكل خاص.

ظلت الرواية في حاسوبي منذ ذلك الحين، وأنجب خيالي ثلاث روايات عليها، آخرها كان قبل أيام قليلة، ليصبح المجموع ست روايات وكتاب مترجم من الإنجليزية إلى العربية.

استطاع اليأس التسلل إلى قلبي، لكنني فخور بأنني أخّرته لعشر سنوات كاملة. الآن وقد نُشِر لي أول كتاب بعد كل هذه المدة، لا استطيع أن أقول بأنني سعيد، وكأنني اعتدت على أن أفتخر فقط بالانتهاء منها، وبالإعجاب كلما قرأتها وكأنني لست أنا الذي كتبها.

شكراً لي، شكرًا عظيمًا لي، لأنني الوحيد الذي كان مع نفسي منذ بداية العقد حتى نهايته. أنا من شجعت نفسي، وأنا من كتبت وتعبت وأنا من قرأت وفرحت وبكيت وسعدت.

شكراً لي..."