عيد الأضحى هو مناسبة عظيمة لإحياء صلة الرحم بين أفراد العائلة الذين فرقت بينهم متاهات الدنيا و مشاغلها التي يتوهم الحميع أنها لا تنتهي. أود أن أُفضفض قليلا و أذكر موقفا طريفا حدث منذ أيام على طاولة العشاء عند بعض الأحباب.

كل ما في الأمر أنه حسب تقاليدنا في المغرب و مثل أية وليمة عشاء داخل كل أسرة مغربية هناك مسطرة مضبوطة و تسلسلٌ زمني واضح ينظمان عملية تقديم الأطباق المقدمة. و كي أكون دقيقا فالبداية تكون بأطباق السلطة و بعدها طبق الشوربة التي نسميها "لسان الطير"، ثم بعد ذلك طبق المرق و اللحم و أخيرا طبق الفواكه. 

الأمور كانت جد عادية و ودية و النقاشات متنوعة بدءا بأثمنة الأضاحي هذا العام مرورا بمستجدات الحرب الروسية على أوكرانيا و وصولا حتى لمحاولة شرح أسباب غرق غواصة TITAN و شرح مفهوم implosion أو الإنبجار حتى أن قريبا لنا تطوع و ترجم كلمة implosion للعامية في محاولة منه للسير على نهج تبسيط العلوم، و للأسف لا أذكر المصطلح الذي جادت به قريحته...

تغير منعطف الأحداث عندما تم وضع طبق الفواكه على طاولة محاذية للطاولة الرئيسية للعشاء في انتظار آخر لقمة من آخر شخص حسب ما تعلمنا من آباءنا و أجدادنا. القواعد واضحة :آخر لقمة يُسحب بعدها الطبق و يقدم طبق الفواكه! هكذا ببساطة. المشكل أن داك قريبنا العزيز الذي شرح "implosion " اتخذ موضعا بالطاولة المحاذية و شرع دون سابق إنذار بتناول حبات الفاكهة و أصابع البطيخ و بشهية مفتوحة و ضمير مرتاح، و بعضنا مازال يغمس في المرق. بل الأدهى أنه استمر في شرح كيف تشتت أشلاء ضحايا غواصة TITAN دون حتى أن يدركوا ما يقع لهم، و أكمل حديثه كيف أن علماء الغرب اغتروا بعلمهم و طغوا في الأرض و نسي صاحبنا أنه طغى أيضا و انفرد بالفاكهة مثلما انفرد المحيط بركاب الغواصة المنكوبة.

تأملتُ عيون الجميع و كلها تنديد و استنكار للتصرف الأحادي لصاحبنا، و تذكرت و أنا أنظر لطبق الفواكه ذاك المشهد من فيلم TITANIC حيث عندما بدأت السفينة بالغرق و يصعد أحد الركاب الأغنياء خِلسةً لأحد قوارب النجاة قبل الجميع دون أن تكون قواعد الإغاثة تمنح له الحق و الأولوية في ذلك. على أي، لم تكن خسارتنا فادحة تلك الليلة كخسارة من غرق من ركاب التيتانيك في تلك الليلة الباردة وسط المحيط الموحش، لكن مهما تغيرت الأزمنة، في البر أو في البحر، في أمور مصيرية كغرق سفينة أو غواصة أو بسيطة كعشاء عائلي، يجب أن تُحترم القواعد و التقاليد..

رأيكم يا أحبة يهمني جدا...