مما لا شك فيه أن القراءة لها فوائد كثيرة و عديدة، لا تعد و لا تحصى، و يكفي أن أول سورة أنزلت من الله عز و جل كانت بدايتها "اقرأ بإسم ربك الذي خلق" القراءة تحيي و تحول العقل الميت المتعفن، إلى عقل حي، يدرك و يفهم و يحلل و تفتح له آفاق ما بعدها آفاق، و تكسر الدماغ المتحجر الدوغمائي إلى دماغ مرن يفهم و يتفاهم بكل لُيُونة، و من عظمة هذه النعمة [القراءة] إنه من الممكن أن يقرأ أحدا منا كتاب واحد فقط و من بعدها تتغير حياته و شخصيته و أفكاره المتأصلة فيه و يتفجر في عقله بحورا من الوعي و الدراية، و في القرن الواحد و العشرين و في عصرنا الحالي، العصر الذي أسميه، عصر الموضة الشكلية السطحية، أصبحت القراءة و الكتاب بالأخص عند كثيرا من مدعي الثقافة مجرد قطعة فنية ديكورية يتباهى بها و ليس تحصيل الزاد منه أو الانتفاع بما فيه من علم و خبرات، بل أصبح الأمر شكلي عند بعض الناس (مدعي الثقافة)

وهم الاستعراض الكتبي 

يرى بعض الأشخاص أنه إذا أمتلك مكتبة مكدسة بالكتب العصرية و القديمة، المتنوعة في شتى المجالات، سيصبح بعد ذلك مثقفا و مفكرا و يندرج ضمن فحول و ساسة المثقفين و يعتقد أنه كلما زاد عدد الكتب داخل مكتبته زادت ثقافته أمام الناس و أزداد قدرا و مكانة مرموقة في -أوهامه- بقدر ما تحصل على كتب أكثر و توسعت مكتبته بالكتب التي لا تقرأ و التي تعتليها الغبار و نسج العنكبوت فوقها، و لكن هذا لا يمنع بأن يأخذ لقطات متتالية من الصور السيلفي و ينشرها على مواقع التواصل الإجتماعي كونه مثقفا عنده كتب أكثر من أي أحد، و لا ضرر بتصوير عدة مقاطع فيديو يلقي فيها بعض النصائح التقليدية و ورائه مكتبه التي تزوده بهرمون الدوبامين مع تقمصه اللاوعي بالقارئ النهم المثقف و هو بالطبع ليس كذلك، كل ما في الأمر أنه يقلد و يتشبه بإحدى سمات المثقفين و هي تحصيل الكتب، و لكن هنا هو جمع بين سمة سطحية و اعتقد واهما إنه أصبح مثلهم بتقليده إياهم بتحصيل ما يحصلون، و لكنه بدل الأمر بتحصيل الشكل، لا بتحصيل المضمون المعرفي الحقيقي.

التقليد القرائي الأعمى

و من الوهم ما قُرأ، ثمة قراء ليسوا بقراء، يوجد فئة من بين (مدعي الثقافة) يأخذون الكتب و يقرأونها في ساعات بلا مراجعة أو تفنيد أو تمحيص، و ينتهون من قراءتها بدون تحصيل أي معلومة أو مصادمة فكرية مع أيا من أي نص مكتوب داخل الكتاب، و هذه الفئة لا تقرأ بعين القراءة، لكنها تقرأ بعين الإنجاز الثقافي المزيف، حينما يذهبون في عجلة بعد الإنتهاء المزيف و يغردون من هواتفهم الذكية أنهم قاموا بالانتهاء من كتاب جديد بجانب الكتب السابقة التي لم تقرأ من الأساس، و من بعدها يتلقون تعليقات و تفاعلا على شبه انجازهم و يأخذون نفس جرعة الدوبامين عن هذا العمل الزائف و يزاد وهمهم وهما.

أنا أقرأ شاهدني!

و من بين تلك الفئات، فئة تحمل شعار الرياء و السمعة تجاه الثقافة و القراءة، هناك أشخاص يقرؤون الكتب و يحصلون العلم و المعرفة و لكن ليس من أجمل العلم أو إزاحة الجهل (و هذا من دور المثقفين) و لكن لكي يقال عليهم أنهم مثقفين ذو قيمة و ذكاء و مكانة انفرادية.

الاستقطاب الثقافي الهابط 

كما نعلم أن من أولى الأشياء التي تلفت نظر الانثى تجاه الذكر والعكس، الثقافة ورجاحة العقل، فمنهم من يتخذ من القراءة سبيل إلى استقطاب الفتيات لكي يشعر إنه ذو قيمة، و منهم من يقرأ و يقرأ لكي يغوي الرجال و يكون أكثر إثارة، ليس أكثر ولا أقل عن هذه العملية الهابطة المغطاة برداء الثقافة والتي هي أبعد من أن تكون نتيجة من النتائج الثقافية و المعرفية التابعة لها.

و بكل أسف أصبح لقب (المثقف) أو من يتحدث بالكلام المفعم بالتغيير و الايجابية و من يقرأ أمام مرأى الناس يسخر منه و يستهزأ به حتى أصبحت كلمة كلمة مثقف تقال على كل ابله يثرثر.

و من الأسباب القوية في ظهور مثل تلك الفئات في المجتمع الثقافي: السطحية، فنقول إلى كل من يريد أن يكون بين ربوع القراء و المثقفين، أن يقرأ من أجل هدف ما في إصلاح المجتمع، و لا يسفه من قيمة الكتاب و القراءة بهدف ركيك مثل المباهة و الاستعراض و أذكر بأن الاستعراض و عرض الكتب على وسائل التواصل الاجتماعي و تحصيل الكتب من أجل التشبع الوهمي لن يصنع منك شيئا يذكر.