لا زلتُ أذكرُ ما صنعتُ أمس، حينما كنتُ أمشي في ممرات الكلّية، أنظرُ للأعلى، أضربُ تراب الأرض بقدمي المُتململة، وأصرخ بعدما يختفي الناس من الممرّات: سكافوسيفالــــــــي يا غبي!

وهذا لأنّي أوهمتُ نفسي بجواب خاطئ، وكان الصحيحُ واضحًا معروفا لأطفال المسلمين، لكنّي اخترتُ غير اجابة "سكافوسيفالي" وأضعتُ درجتين.

سؤال سريع

ساعطيك ثلاثة أرقام: لنقل أنّها مثلًا 2-4-6.. لديك الحرّية بأي رقم غيرها.

لديّ قاعدة ذهنية خفية يجب أن تخمّنها باستخدام الأرقام الثلاثة.

كيف تخمّن؟ اكتب مجموعات من ثلاثة أرقام، وحاول أن تصل للقاعدة، سأخبرك (نعم) أو (لا) على كل مجموعة لتصل إلى الحل.

النتيجة؟

سيصبح طويلًا إن انتظرتُ ردّكم، هذه هي نتيجة معظم الناس:

4-6-2 (لا)

4-6-8 (نعم)

10-12-14 (نعم)

الجواب سهل

بعد هذا، يلجأ الناس للتفكير بقواعد مختلفة خاطئة، معظمكم فكّر أنّ القاعدة: ارقام زوجية تسير بشكل تصاعدي، صحيح؟

الإجابة خاطئة، لم تكن هذه القاعدة في ذهني.

القاعدة التي تحاول تخمينها بسيطة جدًا: يجب أن تكون الأرقام الثلاثة مرتبة تصاعدياً فقط. ومع ذلك، يفشل معظم الناس في اكتشاف هذه القاعدة لأنهم يختبرون فقط أمثلة إيجابية تتناسب مع افتراضاتهم، بدلاً من استخدام أمثلة سلبية وعكسية يمكن أن تفندها.

هذا هو التحيّز التأكيدي، أو الإيجابي!

كيف تتجنّبه؟

يجب عليك أن تحاول اختبار ثلاثيات لا ينبغي أن تتوافق مع القاعدة، مثل 20-23-26 أو 9-8-7 أو 3-3-3. إذا تم وصفها بـ "نعم"، فإنك تعلم أن افتراضك خاطئ وتحتاج إلى تعديله. إذا تم وصفها بـ "لا"، فلديك بعض الأدلة التي تشير إلى صحة افتراضك.

افترض امثلة سلبية دائمًا!.

تاريخ التجربة

تم ابتكار هذه التجربة من قبل بيتر واسون في عام 1960، وجد أنَّ فقط 21٪ من المشاركين استطاعوا تخمين القاعدة الصحيحة، ومعظمهم كانوا واثقين جدًا من تخميناتهم الخاطئة.

من قرأ شيئًا لكارل بوبر في المنهجية العلمية (آسف على التفلسف) سيعرف أنّ هذه التجربة تنطبق على ما يقول، فهو يصف النظرية العلمية بتلك التي يُمكن تفنيدها، وقابلة للفشل بالأدلة التجريبية ورغم ذلك لا تفشل. عكس تلك الأشياء التي لا تُفنَّد.

بعبارة أخرى: الجاذبية نظرية مرموقة، لماذا؟ سهل تفنيدها، لو كان هناك شيء لا يسقط، لفُنِّدت.

أمّا نظريات فرويد الشهوانية، فلم يفنّدها أحد لليوم، لا أحد يستطيع تفنيدها بأي طريقة، ليس لأنّها قوية، بل لانّه لا توجد طريقة!

صعبة جدًا

من الصعب أن يلاحظ الشخص ويتجنب التحيز الإيجابي، حتى عندما يعرفه. التحيز الإيجابي ليس اختيارًا منطقيًا أو عاطفيًا، بل رد فعل غريزي. لذا فإن فهم أهمية النظر إلى الأمثلة السلبية ليس كافيًا. يجب أن تفكر فيها بصورة ومستمرّة!

تتذكّر الامتحان؟

معظم اجاباتنا الخاطئة في الامتحان تكون بسبب هذا التحيّز، نحاول أن نفكّر بما يدعم اجابتنا لا الذي يفنّدها! لو حاولت أن تجد معطيات سلبية لإجابتك، ستكون أقل تمسكًا بالاجابة التي تختارها. لا أضمن ان تُجيب كل شيء بشكل صحيح، لكنّك ستكون أقل "مفاجأة" من أخطائك عندما تخرج من القاعة الامتحانية!