المجتمع لا يريدك ان تكون اناني محب لنفسك

لن أجادلك في هذا؛ فهو طبع النفس أنها جبلت على ذلك. لكن، لا تنس أن البعض يؤمنون باليوم الآخر.

نتيجة إيمانهم بالبعث بعد الموت، فهم يفعلون ما يعود عليهم بالنفع في آخرتهم الباقية، وهو ما قد لا يعود عليهم بأي نفع في الدنيا. وهم في هذا الموقف، ستظنهم يضحون بكل ما يملكون، لكن الحقيقة هي أنهم يقومون بما يرونه أفضل شيء لأنفسهم، ويبتعدون عن ما يعدونه إيذاء وظلما للنفس (مثلا: يبتعدون عن الكذب / الغش). الدين لا يقوم بتقزيم هذه الغريزة برأيي؛ بل بتضخيمها والتأكيد عليها.

ولكن المجتمع وبكافة اشكاله من قصص شعبية/امثال واعلام ودين يحاولون تقزيم وكبت هذه الغريزة

لا نكران أنً الأنانية أو المكسب الشخصي هو المحرك للأفعال في كل الأوقات و الأديان نفسها لم تنكر ذلك بل راحت توطفه أحسن توظيف ولا أجد أجدر من الدين قد أعلى من غريزة الأنانية بحيث تخدم الفرد الأناني نفسه و تخدم المجموع كذلك. لن تجد غير الدين يقدر على الموزانة بين تلك المعادلة الصعبة. فالدين يقول لك إنك حينما تتخلى عن أنانيتك في فترة بسيطة هي فترة الحياة الدنيا فإنك ستنعم للأبد. فهو سيعطيك و يرضي تلك الأنانية ولكن بما يخدم المجموع. فأنت لما تكبت أنانيتك ستفيد المجموع بلا شك ولكنك أنت نفسك لن تخسر بل ستربح الربح الأكبر وتلك المعادلة الدينية التي تدخل فيها عامل الآخرة. لن تجد فلسفة أو فكرة أو نظرية علمية أو أي شيئ يوازن بين ارضاء الأنانية و إفادة المجموع البشري مثل الدين. فالدين لا ينفي الأنانية ولكن يُعليها و يقول لصاحبها: كن أنانياً ذكياً لان أنانيتك العمياء لن تعطيك إلا بقدر أجلك المحدود و متعك الصغيرة أما الآخرة ففيها ما تشتهي و أكثر.

بالفعل، المجتمع يسعى إلى تنظيم سلوك الأفراد وتحديد حدودهم، ويعتبر حب النفس والانانية قد يؤديان إلى تجاوز هذه الحدود وتعريض الآخرين للأذى أو التعرض للمخاطر. لذلك، يحاول المجتمع في العادة تشجيع القيم الاجتماعية مثل التضامن والتعاون والعطاء بين الأفراد، والحد من التصرفات الانانية التي قد تؤثر على المجتمع بشكل سلبي.

ومع ذلك، يجب أن نفهم أن حب النفس والانانية هما أمور طبيعية في الإنسان، ولا يجب تقزيمها بشكل كامل. بل يمكن توجيههما بشكل إيجابي وتحفيز الأفراد على تطوير قدراتهم الذاتية والعمل على تحقيق أهدافهم الشخصية والمهنية، مع الحفاظ في الوقت نفسه على الاحترام والتقدير للآخرين وتجنب الضرر لهم.

اي فعل لا يعود بالنفع الشخصي ولو بعد حين فهو فعل عبثي/سذاجة

ليس كل فعل صادق للنفس يعود عليها بالنفع المباشر، حتى كلمة نفع كلمة واسعة وتختلف معناها من شخص لآخر، هناك من يرى أن النفع هو المال وأي أمر لا يحقق له ذلك هو عبثي وآخر يرى النفع نفسي وأي أمر آخر يحقق غير ذلك يراه أمر غير جيد، كل شخص يحب نفسه بطريقة مختلفة هناك من يحب نفسه عندما يخدم الآخرين وآخر يحب نفسه عندما يخدم نفسه، مثل هذه الأمور تختلف من شخصية لأخرى ولا يمكننا التحدث عنها برؤية جماعية عامة.

تفضيل نفسك على مصالح الناس يمكن أن يكون له نتائج كارثية، وبالمناسبة حبّ النفس هو ذاته الأنا، نيّة أن أكون للأنا، أنانيّة، يمكن أن يؤدي هذا الأمر بأضرار لا على الناس، بل على ذاتك أيضاً، الكثير من الذين يحبّون ذاتهم جداً ويحمونها، يميلون إلى العزلة والوحدة ونقص العلاقات ذات المغزى، لإنّهم يخافون الارتباطات مع البشر التي قد تسبب الأذية ولإنّهم يكونون أكثر حساسية من الجميع، بالغالب هذه حياة الفنانين، من رسامين وكتّاب مثلاً. بالإضافة إلى ذلك لا أعرف كيف تتعامل مثلاً مع الأقارب من عائلتك والمحببين إلى قلبك، فعندما تضع اهتماماتك قبل الآخرين فأنت ترسل رسالة مفادها: أنك لا تهتم بهم أو ليسوا أولوية بالنسبة لك. هذه العبارة الذي ينزعج منها كثير من الناس: "اللهم نفسي" هذا يمكن أن يجعل الناس يشعرون بالاستياء منك ويمكن أن يؤدي أيضًا إلى الصراع والتوتر في علاقاتك. هل مررت بهذه التجارب قبل الآن وكيف تتعامل معها؟

الأنانية مقيتة، تكديس الأشياء وملء نفسك بكل ما تشتهيه وترغبه هو فكر مادي طفولي أناني تعيس سيعود عليك بالتعاسة لا محالة، لا تعتقد أنك إذا فكرت بنفسك في كل شيء وأنا أولاً والطوفان من بعدي أنك ستكون سعيد، بل ستزداد تعاسة..

يبدو أنك في مقتبل العمر ولا تعرف عواقب هذا التفكير المادي الأناني، تفكير أنا أنا، تعتقد أنك قوي وغني ولا تحتاج لأحد في شيء وبالتالي كل شيء يدور حولك الآن .. ستكبر قليلاً وستكتشف أنك ضعيف جداً، بل ريشة في مهب الريح، ولولا هذا التكاتف الاجتماعي والتفكير في الآخرين والتنازل أحيانا هنا وهناك والتضحية برغبات النفس اللانهائية، ستضرب في جدار من العبثية في أحسن أحوالك وفي أسوائها ستجد نفسك وحيد ضعيف عاجز، مهما ملكت كنوز الأرض.

"حديث عائشة رضى الله عنها: أنهم ذبحوا شاة، فقال النبي ﷺ: ما بقي منها؟، قالت: ما بقي منها إلا كتفها، قال: بقي كلُّها غير كتفها[1]، رواه الترمذي، وقال: حديث صحيح."

بقي كلها يا رجل، بتفكيرك هذا، لن تؤمن بالصدقة لإنها نقص بالنسبة لك، ولا بالصوم لإنه حرمان بالنسبة لك، ولا بالإيثار وحب الجار وبر الوالدين، لإنها أثقال بالنسبة لك، تريد أن تتحرر من كل هذا وتكدس الأشياء والرغبات والأمنيات..

عموماً أنا لا أتكلم عنك شخصياً هنا، أتكلم عمن يعتقد بهذا التفكير المادي القاصر.

نعم للأسف ..

المجتمع لايريدك أن تكون أناني .. ولكنهم يتصرفون بأنانية معك !

المجتمع لا يريدك ان تكون اناني محب لنفسك

ببساطة لان هذا يهدد أمن الجماعة ، فالجماعة تقوم على مبدأ الوحدة وخدمة الجميع، وتشجع على الذوبان فيها بل وتجعل هذا الذوبان فضيلة، قد تسميه طاعة أو اخلاص، وسيتطور هذا التوصيف في العصر الحديث ليصبح بمفهوم الوطنية والقومية وغيرها، وهذه مجرد حيلة بدائية مخروسة في جينات كل قبيلة او جماعة حتى تستمر ، في حين ان هناك صفات بقترض ان تكون سيئة ولا أخلاقية لكنها على هذا المستوى اخلاقية تماما ، مثل النميمة والوشاية ، لانها تخدم مصلحة الجماعة .