قال باتريك هنري أحد منظري ثورة الاستقلال الأمريكية: الحرية أو الموت (Give me liberty OR give me death). فهل كان يقصد حقيقة ما يقوله؟! كلاً، فتلك شعارات تقال للحماسة ورفع المعنويات وكفى. فلا تصدق كل دعاوي الحريًة والتشبث بها؛ فهي وهمٌ ونحن عبيد الحياة المخلصين و على حد قول العقاد:

ما في الأنام سوى محب وامق......سكن الغرام بكل قلبٍ خافق

فالغرام بالنفس وحياة النفس غرام لا يعدله غرام. ولطالما استغربت متسائلاً وأنا أطالع سيرة أولادا أكويانوا (Olaudah Equiano) الذاتية: لمَ لم يتخلص من حياته بعد فقده الحرية في سفينة العبودية؟! لقد ارتاع جداً وكان يقاوم حينما ظنً أن البيض سيأكلونه حياً! إلاً أنه تطامن حينما قال له أخوانه من السود الأفارقة أنهم سينتقلون عبر البحار ليخدموا ويعملوا لصالح الرجل الأبيض!

   لماذا العبيد الأفارقة لم يقفزوا من السفن التي أوثقوا فيها أو حتى يُزهقوا أرواحهم بعد أن علموا أنهم في طريقهم إلى الاستعباد ؟ من المؤكد أنهم قالوا: عيشة مع عبودية خير من موت مع حرية.

وكثيراً ما نسمع أغاني وأشعار تقدس الحريًة وأن الحياة منبوذة بدون حرية. وطالما أعجبني قول شوقي:

وللحرية الحمراء بابٌ...بكل يدٍ مضرجة يُدًق!

غير أن تلك أشعار حماسية لا تقدم ولا تؤخر؛ فالواقع والمشهود بطول التاريخ وبعرضه يؤكد غير ذلك. أخبروني عن جماعة أو أفراد أيقنوا أنهم فاقدون الحياة في سبيل حريتهم ثم طلبوا الحرية!! لا يوجد. فالإنسان عبد الحياة المخلص الأمين. وهل رأيتم إنساناً يتخلص من حياته فقط لأنه مملوك أو عبد أو لا يملك حريته؟! وهل نشأ الاجتماع البشري – برأي توماس هوبز- إلا بالتنازل عن الحرية الطبيعية لأجل القانون الطبيعي؟!! لقد تنازل الإنسان عن حريته طواعية ليحفظ عليه حياته!

ويبدو أنً عفيرة الشاعرة أخطأت حين قالت:

وللبين خير من مقام على أذى..... وللموت خير من حياة على ذل!

فالواقع غير ذلك؛ فالناس تقيم على الأذى المادي والمعنوي والناس تفضل الذل مع الحياة على الحرية مع الموت.

والآن أيها الأصدقاء: هل تتفقون معي أنً الحياة - مجرد الحياة- أعز علينا من الحرية؟ أليست الحياة ذاتها أغلى مطلب في الوجود ونطلبها بأي ثمن؟