بسم الله الرحمن الرحيم

 الشخصية الجذّابة

 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد,,,

يتميّز صاحب الشخصية الجذابة بالتأرجح بين العفوية ووزن الكلمات والأفعال بميزان دقيق وغالباً ما تكون عفويته نابعة من تفكير عميق في ما سيقوله أو سيفعله سبق أن فكّر فيه غير مرة حتى اصبح صاحب الشخصية الجذّابة قادر على التحدث عن هذه الأفكار بعفوية رغم ما يبدو لجلسائه وكأنه يلقي حكم أثناء حديثه, وقد يبدو صاحب الشخصية الجذّابة أحياناً وكأنه كتاب مفتوح وسهل الفهم, ويظهر في أحيان أخرى وكأنه غامض للغاية, ويبدو في المجلس الواحد وكأنه تمضي عليه الأزمنة فحيناً يبدو وكأنه ظهر من الماضي وحيناً يبدو وكأنه قادم من المستقبل وقراءاته العديدة في الكتب المختلفة تمدّه بأفكار أهل الماضي وقد علّمته كيف يتحدث بلسان أهل الماضي وتريه قراءاته المختلفة كذلك كيف يمكن أن يكون شكل المستقبل وكيف سيكونون أهله وكيف ستكون طريقة تفكيرهم فيتحدث في المجلس الواحد بلسان أهل المستقبل حيناً وبلسان أهل الماضي حيناً آخر ثم يعود ليتحدث بلسان أهل الحاضر ليلتقطوا جلسائه انفاسهم.

ويتميّز صاحب الشخصية الجذّابة بإمكانية عالية في مسايرة محدّثه فيدخل معهم في عوالمهم وينظر بأعينهم ويسمع بآذانهم ويشعر بمشاعرهم حتى قد يجدوه الآخرين قد تصادق مع أحدهم وتصادق مع عدوّه في الوقت ذاته ويقابل الجميع بوجه واحد وطبع واحد ورغم هذا فالجميع يعتبرونه صديقاً لهم فلا يحاولون احتكاره لأنفسهم أو منعه من مقابلة أعدائهم لعدم امكانيتهم معرفة ما قد يفعل في أي لحظة وكيف ستكون ردود أفعاله فيفضلون التعايش مع حيادته ولأنه يبدو لمن يعرفه وكأنه غريب فلا أحد يحاول فرض قواعده عليه, ولو حاول أحدهم القبض عليه أو لمسه فإنه ينسل من بين أيديهم وكأنه نسيم لا يمكن إيقافه أو منعه عن الآخرين ولو حاول أحدهم تركه والابتعاد عنه فإنه يجذبه إليه مجدداً مانعاً إياه من الإفلات منه حتى ليبدو وكأنه كوكب الأرض يجذب إليه القمر ويبعده عنه في الوقت ذاته حتى لا يقترب منه كثيراً فيصطدم به ولا يتركه يبتعد عنه فيغيب بالكامل عن سمائه وكأنه يستمتع برؤية القمر يحوم حوله, ولهذا فإن صاحب الشخصية الجذّابة يحب رؤية ومعايشة أوجه الآخرين المختلفة فيحب أن يرى صديقه مع أصدقائه وكيف يتصرف معهم من دون رسميات وبعفوية ويحب رؤيته مع معارفه والغرباء وهو يتصرف معهم برسميات ووقار, ويحب رؤيته وهو مع والده وكبار السن وكيف يتحدث معهم بإحترام وتقدير, ويحب رؤيته مع اخوته وكيف ينصبغ بطابع اللامبالاة معهم, وكأن كل صورة لأصدقائه فناً يستحق الوقوف أمامها بكل انبهار وإعجاب.

ورؤية حبه الصادق لأصدقائه تجعل أصدقائه يثقون به ثقة كبيرة ولذلك فقد يصلح صاحب الشخصية الجذّابة أن يكون قائداً لقدرته الاستثنائية على جذب الآخرين له وقدرته على المحافظة عليهم بالقرب منه.

ويتميّز صاحب الشخصية الجذّابة بقدرته على الانتفاع من كل المواقف واستغلالها أحسن استغلال حتى إنه لينتفع من صداقة أصدقائه بمقدار كبير وينتفع من عداوة أعدائه بمقدار لا يقل عن سابقه إن لم يتجاوزه.

ويتميّز صاحب الشخصية الجذّابة بأنه طِيب لأصدقائه وبلسم على جراح أعدائه فلا يقسو على أعدائه بل يسندهم كلما سقطوا ويدفعهم ويأخذ بأيديهم كلما تأخروا حتى لا يراه عدوّه بعد ذلك عدوّاً وإنما يراه كالطائر الذي يحلّق بعيداً كافياً الناس شرّه ويطير مبتعداً دون رجعة, فيعلم بذلك العدو قبل الصديق أن صاحب الشخصية الجذّابة سيغادر عاجلاً أم آجلا وسيترك كل شيء خلفه لأنه سيراه على حقيقته وكأنه نهر جاري لا يتوقف عن الجريان...هذا والله أعلم.