لم أدرك معنى بغض الإنسان (misanthropy) إلا من خلال صديق زميل لي. فلم نكد نخرج من المسجد وفي طريقنا إلى الشارع العام حتى كاد زميلي يدوس قطة صغيرة. كاد أن يهوي على رأسه محاولاً عبثاً أن يتحاشها. ماءت القطة واندست تحت طاولة رافعةً مقدم رجلها الصغيرة ولبثت تنظر إلينا. تألم صديقي وتوقف ورأيت في عينيه التأثر والحزن. إلى هنا كان الأمر مقبولاً. إلا أنه قال لي: لولا تحرجي من الواقفين وأن أوصف (بالمياعة) لابتعت لها طعاماً تكفيراً عما فعلت!!
ثم أردف يقول: إنني أتعاطف مع الحيوان الأعجم أكثر من تعاطفي مع بني الإنسان! أبديت عجبي فراح يزيدني عجباً على عجب ويقول: ذات مرة رأيت حادثة على الطريق السريع لشاب دهسته سيارة مسرعة. رأيته مضرجاً في دمه. اقشعر بدني من منظر الدماء. توقف قليلاً ثم واصل: الحقيقة أني لم أتعاطف معه ولم أشعر بألمه قدر ما شعرت ب وتعاطفت مع هذه القطة!!!
افترقنا ثم رحت أفكر في أمر ذلك الزميل الصديق. راح عجبي يتلاشى شيئا فشيئا وأرى رأيه. نعم لم يخطئ زميلي وقد يكون على صواب وتذكرت قول الشاعر:
عوى الذئب فاستأنست للذئب إذ عوى............وصوًت إنسانٌ فكدتُ أطير!
بل رحت أرى أن الحيوان الأعجم أولى بالعطف من الإنسان وأن عاطفة العطف والرفق بالحيوان أكثر أصالة وغير متهمة عند أصحابها من أولئك الذين يتعاطفون مع الإنسان ويقسون مع الحيوان. فالأخير قد يفعل ذلك كذباً ورياءًا ونفاقاً للإنسان وطلباً للمنفعة. أما من يعطف على الحيوان فخيرُ من عساه أن يرجو ومن عساه أن ينافق؟ فالأول صادق غير متهم أما الثاني قد يكون مرائياً كاذباً. والحيوان وفي، قليل الحيلة، أما الإنسان فهو مُحتال مشروع سفاح مجرم. فهل رأيتم حيواناً يقتل أخيه الحيوان لغير الطعام؟ هل رأيتموه يقتله قسوةً وتشفياً فيه؟ وهل يعرف جنس الحيوان شعور القسوة؟ إنً ذلك الشعور محصور في ذلك المخلوق المسمى بالإنسان. والدليل أن الإنسان قد لا يقنع بقتل أخيه بل يمثل بجثته ويتخذ من أذنيه وعينيه وأطرافه أقرطاً وعقوداً وقلائداً يتزين بها بالضبط كما فعلت مدام دي فارج في رواية " حكاية مدينتين" لتشارلز ديكينز! وقد لاكت هند بنت عتبة كبد حمزة ومثلت به!!
سؤالي هنا: هل هناك أسباب أخرى لتعاطف بعض البشر مع الحيوان أكثر من تعاطفهم مع بني جنسهم من الإنسان؟ وهل هناك شواهد أخرى من واقعكم المعاش؟
التعليقات