تمر علينا بعض اللحظات القاسية جداً على مستوى النفس، ربما لا يكون لها سبب واضح حينها "من وجهة نظرنا"، ولكنها في الحقيقة قد يكون لها سبب ما قوي، ولكن كل ما في الأمر أننا لا نعرفه، تجد نفسك في هذه اللحظات كارهاً للدنيا وما فيها، ضائقاً بنفسك، لن أكون مبالغاً لو قلت أنك في بعض تلك اللحظات العصيبة تتمنى لو لم تولد أو تتمنى لو تموت الآن وينتهى هذا الملل والضيق.

لن ننكر أن جميعنا يمر بتلك الحالة السيئة، التي قد يكون لها سبب منطقي "بالنسبة لنا" مثل موقف سئ حدث لنا، أو خسارة شئ لا نرى أننا نستحق خسارته، أو الشعور بالظلم أو القهر أو الحزن لأي سبب كان، وقد تكون هذه المشاعر مصدرها هو التراكمات الصغيرة جداً والتي يتجاهلها الإنسان إلى أن يجد نفسه في حالة من الضيق الشديد والتي لا يجد لها تبريراً مناسباً.

أضرار هذه الحالة من الضيق لا حصر لها. فهي تجعلنا ننقطع عن الأشياء التي نمارسها كالدراسة والتعلم أو القراءة أو ممارسة هواياتنا أو مواهبنا فتجعلنا راكدين كالأموات لا نتقدم إلى الأمام، وكذلك تضرنا ضرراً بليغاً في حالة الإستسلام لها، فهي تزداد حدةً إن لم نتخذ خطوات إيجابية للتخلص منها، كما أنها قد تضرك على مستوى الجسد كذلك إن زادت عن حدها وقد تتحول إلى اكتئاب شديد يحتاج لتدخل استشاري نفسي و علاج دوائي.

ثمة من لديه مهارة الخروج من مثل تلك الحالات المباغتة بسرعة، وفي الحقيقة يبهرني مثل أولئك الأشخاص الذي يعرفون جيداً أن النفس البشرية واهنة ضعيفة، أقل شئ يسعدها وأقل شئ يحزنها، فيتعاملون بمنتهى المهارة والذكاء في الخروج من تلك الحالة بهذا الإدراك النفيس.

يقول ألبير كاموا وهو يتساءل عن خطته اليومية قائلا :

" لا ادري يا عزيزي ماذا علي أن افعل اليوم، هل أنتحر ؟ أم أشرب فنجان من القهوة"

فالجملة تبدو غريبة بعض الشئ، في الحقيقة ..أنها غريبة جداً فهو وضع خياران لا يربطهما رابط ولا يمت أحدهما إلى الآخر بصلة "على ما يبدو" ولكن من وجهة نظري أراها جملة واعية جداً، فالضيق الشديد الذي قد يدفع الإنسان دفعاً إلى "الإنتحار" قد ينهيه فنجان قهوة ومكان هادئ يصلح للتأمل والإسترخاء، حينها قد يتوصل الأنسان إلى أن الإنتحار فعل غبي جداً.

وبهذا فإن شعور معقد جداً وهو "الضيق" والذي قد يؤدي إلى فعل مندفع جداً وهو "الإنتحار" قد يتبدد بشئ بسيط جداً "فنجان قهوة"!

في نفس السياق يقول أحمد خالد توفيق في مقولة طريفة وعميقة في الوقت ذاته، تتماشى مع فكرة كاموا السحرية فيقول:

"فكرت أن أقتل نفسي، ثم وجدت أنه من الأفضل أن أشتري شطيرتين من السجق من عند عواد، مع كوب شاي بالنعناع.. وفي الصباح سوف أنسى كل شئ.. وهو ما حدث فعلا! "

نعم يا صديقي الأمر بتلك البساطة، وإن ظننت أن حالة الحزن المعقد والغير مبرر التي تعيشها لن تحل إلاّ بطريقة معقدة مثلها فأنت بذلك تعقدها بنفسك دون أن تدري!

قد تذهب وتحجز ساعة في ملعب كرة قدم..

قد تتصل على صديق لك وتسهران للصباح وأنتم تلعبان بلاي استيشن..أو حتى تجلسان يشكوا كل منكما للآخر

أو ربما يكون الحل في أن تنزل وتشتري ذلك الطعام الذي تحبه..

قد تفعل أشياء بسيطة جداً وتأتي بمفعول جبار.

وسؤالي لك في هذا الصدد: في حالة الضيق المفاجئ ماذا تفعل؟، وهل تمتلك مهارة إسعاد نفسك بأبسط الأشياء؟