قبل عامين من الآن سمعت بأنهم على وشك أن يبنوا مبنى جديدا للجامعة التي أدرس فيها وسيكون على أحدث طراز، وهذا لأن المبنى القديم مر عليه عقود دون أي تجديد، انتظرت إنهاء ذلك المبنى وقد كان لدي فضول كبير تجاهه، حين دخلته وجدته رائعاً من كل شئ، السلالم، والأسطح الزجاجية، والتحف المعلقة هنا وهناك، كما انني وجدت به مصعد كهربائي. ولكن حدث معي موقف ذات يوم جعلني أرى كل ذلك الجمال "شيئاً تافهاً"، وهذا حين أردت استخراج بعض الأوراق الهامة من الجامعة، فتوجهت إلى المبنى القديم من الجامعة فأخبروني أن المكتب المعني باستخراج تلك الأوراق موجود في المبنى الجديد..دخلت وانبهرت ثانيًا بعظمة كل شئ في هذا المبنى...ولكن ما تعجبت له كثيراً، أنني حين دخلت للموظف وجدته يتعامل بالرشوة!

وهنا بزغ سؤال في رأسي وظل يشغلني لبعض الوقت. ماذا استفدنا لو انشأنا مستشفيات على أعلى مستوى وكان الطبيب مستغل، أو بنينا مدارس على الطراز العالمي وكان المدرس غير مؤهل للتدريس لأي سبب كان؟ أي استفادة ستحدث لنا من تلك المنشآت الجميلة إذا كان موظفوها متكاسلون ومرتشون؟

لعل ما قرأته في كتاب " قراءة المستقبل" كان توضيحاً لرؤيتي في ذلك الموضوع، خاصة تلك القصة الخاصة بسور الصين العظيم.

فعندما أراد الصينيون القدامى أن يعيشوا في أمان، بنوا سور الصين العظيم ، واعتقدوا بأنه لايوجد من يستطيع تسلقه لشدة علوه، ولكن خلال المئة سنة الأولى بعد بناء السور تعرضت الصين للغزو ثلاث مرات !

وفى كل مرة لم تكن جحافل العدو البرية فى حاجة إلى اختراق السور أو تسلقه ..!

بل كانوا في كل مرة يدفعون للحارس الرشوة ثم يدخلون عبر الباب.

لقد انشغل الصينيون ببناء السور ونسوا بناء الحارس ..

وكذلك فإن خطة هدم أي دولة تبدأ من هدم مؤسساتها، وذلك عن طريق تغييب دور العاملين في تلك المؤسسات، فسبب فشل أي دولة او تأخر أي مجتمع هو تغييب أو تشويه "الإنسان"..ولعل ذلك أوضحه أحد المستشرقين حين قال:

إذا أردت أن تهدم حضارة أمه فهناك وسائل ثلاث هي:

1/ أهدم الأسرة

2/ أهدم التعليم.

3/ أسقط القدوات والمرجعيات.

لكي تهدم اﻷسرة:عليك بتغييب دور (اﻷم) اجعلها تخجل من وصفها ب"ربة بيت"

ولكي تهدم التعليم: عليك ب(المعلم) لا تجعل له أهمية في المجتمع وقلل من مكانته حتى يحتقره طلابه.

ولكي تسقط القدوات: عليك ب (العلماء) اطعن فيهم قلل من شأنهم، شكك فيهم حتى لايسمع لهم ولا يقتدي بهم أحد.

فإذا اختفت (اﻷم الواعية) واختفى (المعلم المخلص) وسقطت (القدوة والمرجعية) فمن يربي النشئ على القيم !!

وسؤالي لك هنا..وهو سؤال يحتاج لبعض التفكير والحيادية.

لو جاء سكان أوربا اليوم وسكنوا بلادنا بما فيها من منشآت وثروات وذهبنا نحن وسكنا أوربا بما فيها من تطور وازدهار، ماذا تتوقع أن يحدث بعد عشرون عاماً من اليوم؟