إذا عرفتم موقع الآسك ask.fm فلعلّكم تعرفون ما حصل له بعد أن توالت التحديثات عليه، وصار سؤال البوت الواحد يجوب المنصّة شرقًا وغربًا.

معظم الأسئلة على الآسك هي بهذه الطريقة، وهذه الصورة من حسابي:

الفكرة أنَّ معظم هذه الأسئلة بلا فائدة، لكن المستخدم على هذا الموقع لو أراد أن يشتهر عليه أن يُجيب عنها، عليه أن يكوِّن رأيًا حولها.

ليس الوضع يقتصر على الآسك فقط، إنما يشمل جميع مواقع التواصل الإجتماعي ولكن بدرجة أقل وضوحًا عمّا هو في الآسك، هذه الشبكات تجبرنا على أن نكوِّن الآراء.

في العالم الحقيقي، أنت ترى صديقك وتتحدَّثان في شؤون الحياة، ترى تقاسيم وجهه وتسمع صوته، تضحكان وتتسامران، ليس ضروريًا أن تتحدَّثا في ترند ذلك اليوم.

في العالم الرقمي، هذه النقطة مفقودة، ويحلّ محلها بيئة رقمية تعتمد على الكتابة بالدرجة الأولى، فتعلو قيمة المنشورات النصيّة، وذلك إن وُجِد في جو من الأخبار المتضاربة، سيولِّد ضغطًا على المستخدمين للإدلاء برأيهم، من لا يملك رأي في العالم الرقمي هو بمثابة -كما يصوَّر- من لا يملك وجه في العالم الواقعي.

هذا الضغط لا يجعلك تكتب الآراء في كل حين، بل يجبرك على توليد أفضل وأذكى وأكثر الآراء تحضّرًا، وهذا ممّا لا يُستطاع في أغلب الأحيان، كل رأي يحتاج إلى بحث معمَّق يدعمه إن أُريدَ له أن يكون عاليًا.

لهذا الناس يميلون إلى إعتماد آراء المحترفين، أولئك الذين يعتلون سوق العالم الرقمي، ويصدّرون الآراء بعد كل خبر. عندما تلبس رأي شخص مشهور، تستطيع أن تتباهى به في المحادثات كما لو أنَّه رأيك.

المشكلة في هذا المشهور أيضًا، فهو عليه نفس الضغط لتوليد الآراء، وعليه أيضًا ضغط أن يكون أوَّل من يولد الفكرة ومن السبَّاقين لها. وهذا من الصعب جدًا.

قد تجد في مرحلة من المراحل، أنَّ هؤلاء المشهورين يميلون إلى ترتيب أفكارهم ضمن خطوط عريضة، يُدرجون تحتها كل ما يُمكنهم من الآراء والأحداث، هذا أسهل، هذا يُجنّبهم عناء البحث طويلًا.

لهذا تجد أن الكثير من الأحداث التي تجري في اليوم الواحد يُمكن تصنيفها إلى خطوط عريضة (هذا يكره السود، هذا يخاف من المتحوِّل الجنسي.. إلى آخره.)

وممّا يُرسِّخ هذه "الحقائب" من الآراء، هو اقتباس الشركات الكبرى لها ( NIKE مثلًا) هي تحاول أن تحتفظ بوجود سياسي لها يحميها أمام ريب الزمان، ومن أفضل لها مما يشيع حاليًا من صوابية وتقدّمية سياسية؟

أترى كيف بدأ الأمر؟ بفرض الضغط على الناس ليولّدوا الفكرة، فجلبوها كسلًا من مشهورين، وهؤلاء وضعوها في حقائب جاهزة توفيرًا لوقتهم، فصارت هذه الحقائب صنم الزمان وعجل السامري.

هل نستطيع إيقاف الأمر؟ لا أعتقد. لكن نستطيع أن نبدأ بأنفسنا، نستطيع أن نقول لأنفسنا حينما نرى الترند الجديد: لا، لسنا مُجبرين على أن نُعطي رأيًا، ولسنا مُجبرين على أن نحكم على الناس من آرائهم وكلماتهم.