هذا السلوك الرفيع لا يستطيع احترافه أيًّا كان، فالتغافل قد يعني غضّ بصرنا عن أذية صديقنا وهو يتنمر علينا كل مرة.. فتتغافل ليس هروبا وجبن، بل نشتري راحة بالنا وهناءنا، وقد يكون التغافل في ترفّعنا عن رد فظاظة مدير في العمل فلا نتغافل خوفا من قطع رزقنا لأننا موقنون أن الرازق هو الله وليس المدير... نتغافل لأننا نحب عملنا، ونفضل الصبر على الأذى والتغافل على أن نخرب عشنا بأيدينا. لكن في حدود بطبيعة الحال، فلا نصل لدرجة إذلال النفس، أو الحط من قيمتها.. 

وتحضرني حادثة جربت فيها التغافل ونجح معي الأمر تماما ليصير الطرف الثاني كما أرغب.

مرة كنت أدرٌس قسم التحضيري وكان القسم مشتركا بيني وبين أستاذة أخرى، ومن البداية لم تستسغ وجودي لأنها كانت ترغب بصديقتها بدلا مني..فكانت تترك القسم خلفها متسخا وأغراض العمل مبعثرة.. ولا تطلب من تلاميذها أن يقوموا بترتيب الطاولات قبل الانصراف، وغيرها من السلوكيات .. لكنني كنت أضبط نفسي كل مرة ولا أخفيكم أنني كدت أواجهها مرتين أو ثلاثة لكنني فضلت التغافل... 

فبعد مدة من تغافلي.. أتتني ذات يوم تعتذر مني وتقول بصريح العبارة: لقد ربيتني بتجاوزك عني..وأنا كنت أقوم بتلك التصرفات حتى تملي وتطفشي لكنك أثبت لي كم كنت صبيانية بتصرفاتي. 

فالتغافل أنجاني من الدخول في متاهات لا قبل لي بها.. وربحت عافيتي.. 

فهل تحترفون التغافل! وهل تستطيعون التجاوز عن أذى الغير بكل سهولة ويسر !