الإنسان بطبيعته مخلوق عاطفي وبسبب هذا الأمر نجده يتعلق بالأشياء، بالأحلام، بالأشخاص، بالقيم والمبادئ. أحياناً، لا يستطيع الإنسان الوصول إلى ما يريد أو نيله. فقد يحدث أن تصل مرحلة التعلق إلى مراحل شديدة وهنا بالذات، تظهر أهمية فهم ثقافة التخلي. أيعني ذلك التخلّي هو الترك و الهجر؟ أجل، هذا الأمر صحيح. ثقافة التخلّي هي البعد عن كلّما تعلقنا فيه وحاولنا الوصول إليه ولم نستطع. يبدو هذا الأمر صعباً و لكن هذه ثقافة اجتماعية. 

يختلط على البعض مفهوم التخلّي مع مفهوم الاستسلام. التخلّي بعيد كل البعد عن الاستسلام فالاستسلام لا شرف أو كفاح فيه. الاستسلام هو فقد الأمل نهائياً أما التخلّي فهو أن نقرر بشكلٍ عميق أن نهجر حلماً أو هدفاً أو شخصاً حاولنا عدة مرات الحصول عليهم ولم نستطع. قد نتخلّى عن رغبتنا بالشعور بنشوة النجاح بسبب عدة خسائر متلاحقة قد واجهناها وهذا أمر صعب ولكنه ليس مستحيل فاللامستحيل غير موجود نهائياً. إذن بشكلٍ مبّسط، تتلخص أسباب لجوء الأشخاص إلى التخلّي بعدم قدرتهم على تغيير الواقع أو التحكم فيه.

قد نصاب بعد قرار التخلّي بحالة من الشعور بالإحباط والألم ولكن على المدى البعيد، سيتحول هذا الألم إلى دروس مستفادة وقيم نعتاش بها.

بالنسبة لي، قد تخليت عن أكبر أحلامي والذي عشت حياتي أعمل على تحقيقه فمنذ الصغر، كنت أرى في نفسي طبيبة ذات شأن موّقر في المجتمع، ولذلك كنت دوماً أحصل على علامات وتقادير عالية جداً في المدرسة حتى وصلت إلى مرحلة الثانوية العامة وتأثرت بمشاكل عائلية جذرية وانتقلت إلى مدينة أخرى. لم أتمكن من الاستقرار في تلك الفترة وفقدت صبري وقدرتي على الإجتهاد ولكني رفضت الاستسلام مراتٍ عدة وفشلت أكثر من مرة حتى قررت أن أتخلى عن ذلك الحلم وأنتقل لغيره. كان الأمر أشبه بالاستحالة. كأن كل حقيقتي تغيرت في ثانيةٍ واحدة وأصبحت شخصاً آخر أحاول التعرف عليه ولا أستطيع حتى تعلمت أن أكف عن جلد ذاتي، وألا أتوقف عند حلم معين، كان لابد أن اتبع ثقافة التخلين لأتمكن من المتابعة، واكتشاف نفسي، وأن أبدع في مجالات آخرى، فعلى أية حال، الذنب لم يكن ذنبي. 

و الآن.. أخبروني تجاربكم، وهل تجدون التخلّي محاولة خفية من أجل الاستسلام دون الشعور بالعار؟