هل الراحة تكمن بالعزلة؟

قد يكون سعينا للراحة هو الهدف السامي الذي ننشد في سنين حياتنا القصيرة، وأعتقد أن كل ما نقوم به من أمور هو محاولة للحصول على الراحة، فنحن في غالب الأمر نقضي السنوات الطوال في الدراسة لنصل لنقطة أننا قادرون على العمل في اختصاص معين وقادرون على تحمّل أعباء نفقتنا ونفقة أسرتنا كذلك، وإن الاتكال الناجم عن الكسل المفرط سيمنح صاحبه راحة مؤقتةً يتخللها الكثير من الشعور بمقت النفس وكرهها وهو ما لا يرجوه أي منا على الأرجح.

إنّ الإنسان منّا يشعر بأعلى درجات الراحة أثناء عزلته، وقد نقصد بالعزلة تلك الوحدة المُختارة من قِبَل الشخص والتي ينأى بها عن البشر من أبناء جنسه، كما أنّه يصبح أقرب فيها إلى روحه، وإنّه كذلك يصبح أقرب للفضائل وللمثل منه إلى الرذائل وارتكاب الحماقات والترهات وإن هذا يذكرني بوصف نيتشه في قوله:" كيف أنّ احتكاك الإنسان بالإنسان -داخل المجتمع- يؤدي حتمًا إلى التدنّس." وفي ضوء هذا نستطيع اعتبار العزلة عنصرًا لابد منّه لتحقيق الراحة المنشودة، ذلك على اعتبار أننا في سعيٍّ دائمٍ للراحة، فأستطيع بهذا الفرض أن أعد العزلة عاملًا مهمًّا يؤثر إيجابًا في سعينا للرّاحة.

أما العامل الآخر، فهو درجة الوعي، إذ أننا كلّما وسّعنا من دائرة وعينا أخذت دائرة راحتنا بالانحسار والتراجع، وهذا ما هو مقلقٌ بالفعل، إذ أننا نحظى بأعلى درجات الراحة في حالات اللاوعي، كَتلك الفترة التي نقضيها في أرحام أمهاتنا، والساعات الطوال التي نستغرقها في نوم عميق، ومنه فإن راحتنا تبلغ ذروتها في لا وعينا، وإذا ما عدنا إلى عامل العزلة سنجد أننا سنوسّع من دائرة وعينا -من دون وعيٍّ- في أثناء إقبالنا على العزلة، وهذا ما سيجعلنا نحظى براحة كبرى في بداية عزلتنا حتى تتضاءل دائرة راحتنا وتكاد تختفي في ظلّ تفاقم وعينا، و منه نُساق إلى حذف دهشتنا وراحتنا في حين أنّنا عملنا جاهدين على عزل عوامل الانهاك المحيطة بنا، من أشخاصٍ و معتقداتٍ وترهاتٍ لا حصر لها، ولكنّنا حصلنا على نقمة الوعي في المقابل!!

وأمّا سعينا للرّاحة، فهو أشبه بمحاولةٍ ساذجةٍ من نملةٍ ضئيلةٍ بالدّوران حول الأرض، متحديّةً بذلك تكوينها الهزيل وعمرها القصير، إذا ما قورن بمحيط كوكبنا الواهن، إنّها محاولة ذات نتيجةٍ حتميّة، ولكنّ هذه المحاولات هي جوهر عيشنا، وإذا ما توقفنا عن المحاولة، فما هو مغزى معيشتنا؟؟ "إذ إن فن العيش بأسره يعني الانتفاع من الأشياء التي نعاني بسببها"

إلى أي مدى تعتقدون أن العزلة تساعدنا على الوصول للراحة؟ وهل تتفقون أن الوعي لعنة تجلب لصاحبها المعاناة وتحول بينه وبين الراحة؟؟