إن العمل الفنيّ مكتمل الأركان يجب أن يأخذ شيئاً من صاحبه، وله القدرة على النفاذ إلى كل ذي بصيرة، ذلك أن الصدق أمرٌ نافذ، وعابرٌ لكل الحدود، ويستطيع العقل المبصر أن يعقل صدق الأدب، والفن، وصدق الشخوص، لذلك الصدق في رأيي يتربّع على هرم الفضائل، وهو مفتاحنا للآخر أيّاً كانت خلفيته أو مرجعيته، ومنطلق الصدق، يبدأ بالصدق مع النفس، من صدق نفسه وعقِل ذاته، وأدرك معاناته.. ضعفه.. وقوته.. وتقلبات نفسه وأهواءها، لابدّ له أن يكون صادقاً في حياته، ومن هرب من نفسه وأنكرها تبعه لسانه وحواسه، وذهبت إلى الكذب والإنكار وفقد بصيرته.

إن الصدق لابدّ منه للعمل الأدبي والفنيّ، حتى يصل قلوب العامة، وإن كانوا غير مبصرين، فإن البصائر قد تستنار بكلمة، لمن نوى أن يعرف ذاته، ويصدق نفسه والناس. 

وفي الحقيقة لا يوجد معيار يحكم جودة الفن المقدم، فما قد تتفق عليه مجموعة قد تختلف عليه أخرى، وعلى الرغم من ذلك يمكن للمتذوق أن يشعر بهبوط الفن عمومًا أو تساميه في فترات حياته المختلفة، وإن رواج العمل الفني لا يعني سموه بالضرورة فكما قال نيتشه ليصف تدهور الذوق الموسيقي العام: "فقط الموسيقى المريضة هي التي تجني أرباحًا هذه الأيام" ومع أنني أحب الفن بكل أشكاله إلا أنني أجد لمقولته مكانًا في أيامنا، وإذا كان الفن هابطًا خاليًا من الصدق ومع ذلك رائجًا؛ فما الذي يمنح الفن القدرة على الوصول إلى العامة؟