إننا في مجتمعاتنا العربية نعاني الكثير من التناقضات كما وأننا ننشأ عليها عن طريق الجهل لا الخطأ، نبدأ في الصفوف الأولى باعتناق أفكار المجتمع البالية بحذافيرها دون محاولة خجولة من الآباء أو المعلمين لتعديل الصيغة أو تطويرها ومن هنا نبدأ بتجرّع الإخفاقات التي عاناها السلف والتي قلّما أفادتهم، نبدأ بتلقي القيم الأخلاقية التي تتوافق مع التوجهات القبليّة ومن ثم نكمل ما بدأ به الآباء من تلقين و تحفيظ، ورسم نموذج جاهز للحياة التي يتوجّب على هذا الطفل اعتناقها دون أدنى فهم لماهيّتها أو ما ينتظره في مجتمع بعيد كل البعد عن المثالية، كما و يتم قمع الأسئلة في هذه الفترة الحرجة والتي أكاد أسميها مرحلة (ما قبل البرمجة) ذلك أنني أعتبر أن خيال الطفل الجامح وتفكيره الفضوليّ التساؤليّ هو أصل كل معارف البشر في غابر الأزمان، وما يتم تلقيننا إياه ما هو إلا برمجة سنعمل من خلالها على تكرير ذات الأخطاء، ونعاني ذات المعاناة، التي لحقت بمن سبقونا، و بذلك تكون آخر ملامح أصولنا الفضولية والمفعمة بالتساؤلات والمالكة لأعلى القدرات البحثيّة والنقديّة والقدرة الفادحة على الملاحظة قد تم طمسها و إلغاؤها، لنكدس بدلاً منها الكثير من القيم المثالية، والصفات النبيلة، والأخلاقيات الكثيرة التي يجب علينا التسليم بها، ومن هنا نبدأ بتكوين الشخصية الأولى: "شخصية أفلاطون المثالية"، والتي ما يلبث الشخص في المجتمع بضع سنوات حتى يدرك أن هذه الشخصية المثالية ليس لها وجود فعلي بين الأفراد، فيضعها جانباً حتى يتسنى لنظيرتها التي يمكن أن نسميها "الطبيعة البشرية" الخروج من قوقعة أفلاطون، ومن ثم نبدأ باستعمال الشخصيتين تبعاً لما يتطلّبه مجتمع كمجتمعنا، والتي وصفها الكاتب وعالم الاجتماع العراقي علي الوردي في كتابه وعّاظ السلاطين، بازدواج الشخصية والمعايير لدى المواطن العربي.

هل ترى أن التركيز على مثالية غير موجودة يسهم في بناء جيل يتحلى بالأخلاق والمثل، أم يأتي بنتيجة عكسية تدفع إلى إزدواجية المعايير وضعف القدرة على الاعتراف بالخطأ وحل المشكلات؟