أنجيل لوقا (29:6): "من ضربك على خدك فأعرض له الأخر ، ومن اخذ رداءك فلا تمنعه ثوبك ".

هكذا قال المسيح على حسب لوقا وهكذا تدبرت كثيرا في الكلام وصرت أتسائل، ما فائدة الإحسان والإعراض وقضم الرغبة في الرد في وقت الاستطاعة ؟.

المشكلة هي، فعل شيء ما دون نتائج، ما هو المعنى منه ؟، فعندما تتقاطع سبلك مع شخص سيء لا يفهمك فيخافك فيخالفك فيعترضك، يصفعك ويهينك وأنت تنتظر منه أن يفهم نفسه ويحترم حدود حيزه الفزيائي في الكون وحدوده حتى يتجنب إيذائك دون جدوى.

هل يعرف الناس معنى إيذاء الغير حقا؟ الناس يحبون لأنهم يجدون فيك شيئا يحبونه لا لإنهم يفهمون معنى الحب الذي لا أحد يفهمه، بببساطة لا أحد يحب لسبب الحب. كله على بعضه كالتجارة، أعطيك اهتماما مقابل التمتع بذلك الشيء الذي تملكه وجعله لي وحدي، جسدا كان أو أحاسيس، جنسا كان أو مواقف، أخيرا هم يعرفون أنهم لن يقبلوا بك عندما لا يجدون هذا العنصر الجاذب فيك. فيتم صفعك، وأنت بدورك تصفع آخر والآخر يفعل للآخر.

عندما كنتُ أمسك تلك العصا لإخراج النملة الغريقة من دلو المياه صفعني السؤال، لماذا أنت تفعل ذلك؟ ولم تستطع كل احتيالات العالم أن تمنع الإجابة الصريحة، "لأنني لا أريد الشعور بتأنيب الضمير لتركها تغرق"، بعد كل شيء ومهما كانت أفعالك سامية فهي تعود دائما بالنفع لشخصك في المقام الأول.

تنزل المراتب وتزيد تلك الجرأة على معاداة الآخرين وصفعهم، أنت الذي تلقيت الصفع من قبل، ما معنى أن تحمّي خد آخر في حين خدك لازالت حامية من لطمة الأمس؟، هل أنت حلقة أخرى من حلقات الكراهية ؟ ماذا أراد اليسوع من قوله؟ أنه سامٍ ؟ هل يعود ذلك بالنفع أيضا بطريقة ما ؟.

كان علي فعل شيئ آخر، أن أتجاهل النمل الغارق، كان على اليسوع أن لا يقول ذلك، كان على القضاة التوقف عن إصدار الأحكام، كان على الناس منع القوارب من الإبحار والتوقف عن لوم السمك ثم أكله لتلومهم الأسماك على صيدها!!!!!!!.

عندما تفيض بك المشاعر في ليلة ماطرة كهذه، تضيع وسط المعاني والفراغات المليئة بالصمت، عندما تعرف أن كل شيء ليس بالجمال الذي يظهر عليه، عندما تقول بأنك أيضا وضيع مثلهم، لأنك آذيت مخلوقا عن عمد أو عن غير عمد، لأنك لست هنا سوى عابر سبيل وهناك أنت موجود أو لا تتأرجح بين الرغبة في الوجود والخوف من الإختفاء كالغيم في السماء.

"أشخاص قتلوا في قصف في اليمن"، خبر على التلفاز ظهر فغيّرت القناة، توقفت وأنا أسأل وأتعجب من حجم الخسة التي تجاهلت بها مثل ذلك الخبر.

ليس وكأن لا أحد يهم، الجميع مهم والجميع يهمه أمر أحد ولو في الخفاء، لكن القساوة تغلّف الكثير وتترك القليل يتعرض لتلك المشاهد والأخبار عن المعذبين فوق الأرض.

كل البشر كذلك، والكل لا يعترف بأن مضغته قاسية، مخه انحصر في السعي وراء الخبز، وباقي اليوم يمضيه على مواقع النت يقول بأنه بخير ويدّعي الثقافة. سوف يمدحك من يجد فيك الشيء الذي يريده، لا لأن شخصك أو ثقافتك في قمّة ما، فالأحكام على المقاس والحياة على كف عفريت.

العالم ليس جنة عدن ما في كتاب مقدس ما،العالم فيه أطفال بورما المعذبون، فيه سكان اليمن والعراق وسوريا وإثيوبيا والنيجر ومالي الذين ينزفون حياة ثمينة تذهب مع الريح، فيه الأحكام الجائرة باسم الله والرب ويهوه، فيه من يقتلك لأجل سنتيم، فيه من يسرق منك كمامة طبية من أجل نجاته، فيه من يغسل دماغ أقلية إثنية، فيه من يعفس على المرأة، فيه من يقتل المثليين، فيه من يحكم بالقبّعة، فيه من يقتلك لأجل المتعة والمال في غرف حمراء في انترنت عميق مظلم، فيه من يسعد لحزنك، وكلهم يفعلون.

أين ذلك الحب الذي يتحدثون عنه؟ أرني إياه، فأنا لا أراه.

المساهمة ليست لنشر الطاقة السلبيّة، إن شعرت بأنك لست بخير فأنا آسف لجعلك كذلك. بعد كل شيء هذه وقائع، وليس عليك فقد الأمل من شخصك نفسه مهما كانت رخاصة العالم كبيرة...فأنت أسمى...

"الصورة أعلاه للرسام ويليام أودولف بوغيرو (1825-1905)تظهر صورة معبّرة من جحيم دانتي ألغيري"