كما أقررتُ سلفاً في مساهماتي أنّ التأثير على ذواتنا ودواخلنا عادةً ما ينتج عن استجاباتنا الشخصيّة للواقع ومتغيّراته، فهيّا بنا الآن نُفَكِكُ مِسماراً آخراً من لوحة الواقع الذي ارتضيناه لأنفسنا!

يُقصَدُ بعصر الأنا هذه الفترة التي نعيش أحداثها الآن نحن الجيل Z (مواليد عقد التسعينات) ، ويمكننا تعريفها باقتباس كلمات أحد الباحثين أنّها: [زمن الشعور بالاستقلاليّة عن الجماعات والمجموعات والتنظيمات والعائلات، وأيّة ارتباطات اجتماعيّة أخرى]. لكن كيف وقعنا في هذا الفخ يوماً بعد يوم، وكيف انغمسنا في ذواتنا إلى هذا الحد؟

يخبرنا علم النفس السيبرانيّ -عن طريق ألمع باحثيه المعاصرين- أنّ الشباب والفتيات يدخلون عالم الانترنت لا ليبحثوا عن مجتمعات أكبر منهم يغيرون فيها قناعاتهم ويندمجون فيها، وإنما [يقتحمون الانترنت] بهدف تعزيز قناعاتهم الشخصيّة وإضفاء مزيد من الاهتمام والتركيز على ذواتهم وأفكارهم وقيمهم الخاصة. وهنا يُباغتنا تساؤلٌ صارخ: هل من الحكمة انكفائنا على ذواتنا (إلى هذه الدرجة)؟

أسمع بعضنا يُسائلني: ولماذا أُضِيعُ وقتي في النقاش والتفاعل الجماعيّ بينما يمكنني تعلم مهارة تعينني على المنافسة في سوق العمل؟ وهذا سؤال رائع؛ يُنبِئُنا أننا بحاجة ماسةٍ للنظر في عواقب الخلاص الفرديّ دون الجماعيّ، وللتساؤلِ عن ماهية ما ننتمي إليه من قضايا كبرى في اللحظة الراهنة، وكذلك عن أسبابنا الحقيقيّة التي دفعتنا للاستماتة في تنمية مهاراتنا الشخصيّة وطموحاتنا الذاتيّة.

كيف يُلاشي حاسوب داخلنا بعض تأثيرات هذا العصر؟

يومَ دخلتُ هذا الموقع لم أفهم (جيداً) ماهية ما يُصنَع داخله، لكن يوماً بعد يومٍ أدركتُ أن لا مجال لأكثر الأقلامِ رشاقةً في ممارسة نرجسيّتها هُنا، وأنّ كلّ كلمةٍ (مهما عَظُمَت عند كاتبها) عُرضةٌ للنّقد والتساؤل والتمحيص من لدن الآخر، القريب كان أو البعيد. بل إنّ هذا الآخر كثيراً ما يحاول اجتذابي إلى فلكٍ معرفيّ غيرِ الذي أدور فيه؛ في مُحاولة منه لبثِّ الروح في واقعٍ افتراضيّ؛ على سبيل اللقيا بالأرواح عوضاً عن اللقاء الفيزيائي الجسديّ. 

فكل يومٍ نحن مع طروحاتٍ أنيقةٍ تؤزّنا أزّاً على إخراج قناعاتنا ووضعها تحت نظارات الآخرين جميعاً؛ الأمر الذي يقتّل تلك الأنا الخبيثة، والتي عادةً ما تتنامى في الخفاء!