عن مفهوم اللدونة العصبية:

في السابق أعتقد علم الأعصاب في ثبات الدماغ على تركيب معين مع سن الرشد، ولكن مع اكتشاف اللدونة العصبية، اتضح أن دماغ الإنسان في حالة فك للدوائر العصبية وخلق لدوائر جديدة في كل لحظة، فكل عادة أو مهارة أو سلوك جديد يعيد تركيب دماغنا.

ما معنى هذا الكلام؟

اللدونة العصبية أو المطاوعة العقلية Neuroplasticity:

كان يعتقد العلماء في القرن العشرين أن الدماغ عضو ساكن يبقى ثابتاً بعد مرور الإنسان بما يسمى "الفترة الحرجة" وهو مصطلح في علم النفس التنموي وعلم الأحياء التنموي يفيد بأن الدماغ يمر بمرحلة من الحساسية للمحفزات البيئية المحيطة به.

"من شب على شيء شاب عليه"، كذلك يقول المثل القديم، ولكن علم اللدونة العصبية علمنا عدم صحة هذه المقولة.

وجد العلماء أنه في حالة إصابة المخ بضرر كبير في أحد المناطق التي لها وظيفة محددة، أن الوظيفة يمكنها الإنتقال إلى منطقة أخرى من المخ وأن يمكنه الشفاء.

إذن فإن اللدونة العصبية هي قدرة الجهاز العصبي على تغيير تركيبه وعمله طول حياته.

عندما يكون الدماغ مشغولاً بتعلم شئ جديد أو مهارة أو عمل يحتاج للتركيز، فإن مجموعة من الإتصالات أو المسارات العصبية تتكون لتحفظ هذه المهارة الجديدة في الدماغ.

ولذلك فإننا حينما نتعلم مهارة جديدة كسياقة السيارة، فإننا نمر بمرحلة من المحاولة والإخفاق، ثم فجأة نكتسب المهارة وتتحول إلى سلوك آلي؛ إن الدماغ في هذه الحالة يكون قد ثبت وقوى المسارات العصبية المسئولة عن هذه المهارة أو المعلومة الجديدة.

إن الدماغ هو هذا العضو الفيسيولجي الرائع المستمر دائما في إضعاف مسارات عصبية وتقوية أخرى، بحسب التكرار والممارسة.

ويساعد فهم هذه الآلية من يريد التخلص من عادة غير فعالة، أو إدمان، أو اكتساب عادة جديدة؛ فإن المخ ليس هذا العضو الثابت وإنما هو عضو مرن (Plastic) يمكننا تطويعه لتعلم ما نشاء أو اكتساب العادة التي نريدها.

إن كل فعل نقوم به وكل سلوك نمارسه وكل فكرة أو شعور نختبره له وجود بيولوجي ومادي حقيقي داخل الدماغ. فنحن طوال الوقت نغير من تركيب دماغنا دون أن ندرك ذلك.

لذلك، فإنه من خلال السلوك التكراري يمكن لأي إنسان أن يغير من صفات فيه أو يُشفى من أمراض كالاكتئاب والقلق عن طريق تغيير مسارات دماغه العصبية لجعلها تعتاد على سلوكيات وعادات جديدة.

 يا ترى هل تعتقد أنه يمكننا الإستفادة من هذا المفهوم وتغيير سلوكنا وسماتنا الشخصية وأن نحفر في أدمغتنا مسارات جديدة تجعل منا أشخاص مختلفين تماماً؟