بسم الله الرحمن الرحيم

التغيير

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

إن التغيير قد يكون للخير أو للشر، فمن تغيّر إلى الشر فله أن يحاول الانتباه إلى التغييرات التي قد تحدث له ومن حوله، فإن رأى دلالات الشر والسوء فلا يظن بأن تغيّره للشر ليس له علاقة بهذه الدلالات، فقد يكون بعضها أو الكثير منها مرتبط بطريقة أو بأخرى بالتغييرات التي قام بها في نفسه، فله أن يحذر بأن تتغافله نفسه وتقنعه بأن هذا السوء الذي ظهر في نفسه وفيمن حوله ما هو إلّا لأسباب منطقية ليس لها أي علاقة بتغيّره للأسوأ، ولكن قد يكون التغيّر إلى السوء الذي أحدثه في نفسه، هو أحد الأسباب الرئيسية وقد يكون السبب الأول، ولذلك فله أن يستغفر الله بين الحين والآخر مهما كان تغيّره للأسوأ يزداد، وله أن لا ييأس من رحمة الله سبحانه وتعالى قال عزَّ وجل: ((قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53))). [الزمر:53].

أما عندما يتغيّر المرء للأحسن فقد يجد وكأن الكثير من المصاعب التي كان يُقاسيها بدأت تزول وتتلاشى، وقد يبدأ يشعر بالانشراح في صدره وكأن نفسه بدأ يعود إليه. وقد يعلم حينها المرء بأن الله على كل شيء قدير، فالهموم والضائقات التي كانت تُثقل عليه ولم يستطع لإزاحتها من سبيل بكل ما أوتي من دهاء وحِيَل، ولمدّة طويلة، فقد يجد بأنها بدأت تزول وتخف وطأتها عليه بعد تغيّره للأحسن والخير.

وللمرء أن يعلم بأنه قد يستطيع التغيّر إلى أي صفة أو خُلُق حميد يريد التغيّر إليه، نعم قد لا يستطيع التغيّر إليه فجأة وبالكامل دفعةً واحدة، ولكنه يستطيع أن يقترب منه بين الحين والآخر ويتصرّف بمقتضاه تصرفات قريبة منه، وحينها سيُفتح وعيه وذهنه ليجد طرقاً أخرى للتغيّر إلى تلك الصفة أو الخُلُق الحميد، والاقتراب منها أكثر، بل وقد يجد أن المواقف التي تضطّره إلى التصرّف بتلك الصفة تزداد أكثر فأكثر، وكأن الحياة نفسها تحاول تشجيعه على مواصلة التصرّف بتلك الصفة وذلك الخُلُق الحسَن. فإن واصل المرء تمسّكه بتلك الصفة وذلك الخُلُق وحاول أن يقترب منه أكثر ويتصرّف بمقتضاه أكثر فأكثر، فإن المواقف التي ستواجهه قد تزداد صعوبتها، فإن واصل التمسّك بذلك الخُلُق فقد تبدأ أعين الآخرين تلتفت إليه، فيكون منهم من سيستحسن عمله، ومنهم من قد يغيظه ذلك، حتى إن كان عمل المرء لا يتعلّق في معظمه بأحد سواه، سواءً خيره أو ضرّه، فيُصبح عمل المرء لدى البعض وكأنه يخصّهم مباشرة، وكأنهم بدأوا يجعلون أنفسهم محاسَبين على عمله، وكلما أصرّ المرء على عمله قد تزداد الأعين التي ستلتفت إليه، ويزداد غيظ البعض منه، ثم يبدأ الحقد يزداد في صدورهم أكثر فأكثر تجاه هذا المرء، وللمرء أن يستعد عندما يٌقبل على تغيّرٌ للأحسن والأفضل، أن يبدأوا الآخرين بالتغيّر معه، ولا يستغرب إن كان هذا التغيّر سيظهر حتى من أقرب المقربين إليه، فله أن لا يدخل في مشادات مع الآخرين بشأن تغيّره، وله أن يحاول تجنّب الجدال بشأنه، حتى لا يعطي الآخرين أي عذر في أن يكنّوا له أي أحقاد أو ضغائن، رغم إن ذلك قد لا يعني للكثير شيئاً، فقد يجري حقدهم عليه سواءً افتعل المشاكل مع الآخرين أو انعزل بنفسه. وكما إن التغيّر تجاه المرء قد يحدث في الصديق والقريب فإنه أيضاً قد يحدث في الغريب والبعيد، وكأن عمل المرء في تحسين نفسه يتعلّق بهم كلّهم. ولهذا فللمرء أن يحتال لنفسه قدر ما يريد ليعمل على حسب الخُلُق الذي اختاره لنفسه في الأوقات التي يرى بأنها لن تتسبب بأي ضررٍ له، وإن وجد أن الوقت لا يسمح بذلك فله أن يحاول أن يختار التوقيت الأحسن ليعمل بمقتضى ذلك الخُلُق، فقد يبتعد عن الآخرين أحياناً أو ينفرد أحياناً بمن يتعلّق بهم الأمر، وله أن يتصرّف معهم بما يقتضيه ذلك الخُلُق، فلا يلفت إليه الأنظار، ليتّقي بذلك شرّ الآخرين، وردّ فعلهم حيال تصرفه.

وفي الختام فإن بالرغم من المصاعب التي قد تواجه المرء أثناء تغيّره للأحسن، فإنه قد يستطيع التغيّر إلى أي خُلُق أو صفةً حسَنة، إذا استطاع أن يحتال لنفسه ليتصرّف بذلك الخُلُق أحياناً أو قدر ما يريد، دون أن يواجه المصاعب وردود أفعال الحاقدين، التي قد تصل إلى مستويات لم تكن في أسوء تخيلاته، فله أن يصبر ويتجاهل أحياناً ردود أفعال الآخرين الغاضبة أو الحاقدة وله أن يحتال لنفسه أحياناً بأن لا يجعل عمله يصطدم بقوّة بالآخرين، لعلّه ينجو منهم ومن أحقادهم... هذا والله أعلم.