البارحة كنت بصدد كتابة مقالة عن HIV لكنني أجّلت الأمر لليوم لأجد أحد المساهمين وقد فتح الموضوع. وفي الحقيقة ما أردنا الحديث عنه هي النظرة الخاطئة نحو مريض HIV في العالم العربي وكيف يفكر هؤلاء القوم بطريقة رجعية حول كل الموضوع.
في كل مقالاتنا نكرر بأن العربي (ليس كلّهم) ذو عقلية رجعيّة (حبّ هذا أم كره) تؤثر عليه بسلبية لا يمكن له تخيلها، بالتالي على أجيال وأجيال من الآخرين الذين يتشربون هذه العقلية الهدّامة بنهم.
بمجرد ذكر كلمة إيدز تجد الناس يكررون تمتمات وأدعية وطلاسم تقيهم منه في عقولهم الضيقة، وإن كانت الدول المتقدمة تنشر الوعي حول المرض في كل مكان، فإن الدول العربية لا تعرض حتى توعية اعلانية على التلفاز توقظ بها الناس وتعلّمهم كيفية تجنب مثل هذه الأمراض وغيرها. وكل هذا لأنهم ربطوا المرض بالحرام وهذا من حقهم حسب العقيدة الإسلامية، إلا أنه ليس من حقهم رفض مريض الإيدز أو اقصائه من المجتمع بتلك الطريقة الأنانية (أو بأي طريقة أخرى)، وأضعف الإيمان كما قلنا أعلاه هي إشهار توعوي على التلفاز، حول أصل المرض وطريقة انتقاله وكيفية تجنّبه ثم كيفية التعامل مع المريض والقضاء على ظاهرة الإقصاء المجتمعي لكل ما هو مختلف أو خاص. مثال على ذلك، في الجزائر مثلا أين يتم صنع عشرات الاعلانات لأتفه الأشياء، لم تكلّف الدولة نفسها حتى عناء تنويه يُعلم بأن علاج مرضى الـHIV بالمجان في ذلك البلد، وفي مصر كذلك نفس الشيء، ووصل الجهل بالكثير إلى الخلط بين الـHIV والإيدز والذي هو مرحلة متقدمة من الـHIV. حتى أن وزيرة الصحة المصرية هالة زايد والتي هي "دكتورة"، كانت تقول وتردد كلمة إيدز عدّة مرّات في اعلانها عن افتتاح مراكز لمكافحة الـHIV مجانا للمرضى.
وقد حظيت بفرصة مصادقة مريض HIV وفهمت بشكل أعمق ما يشعرون به كأشخاص يحملون مرضا هو مثله مثل الأمراض الأخرى، يحتاج أدوية ومتابعة طبيب إلا أن الناس يولون حقدا خاصا لحاملي هذا المرض.
منذ سنوات تعرفنا فيها على شخص من خلال النت، وقد كنا نتاشرك نفس الاهتمام بالكتب والفن بجميع أشكاله والأديان وحديث الشعوب..إلخ. ومع الوقت صرنا صديقين مقربين، إلا أنه فاجئني مرّة برسالة يقول فيها بأنه يريد اخباري بشيء شرط أن لا أتغيّر عليه، فوعدته بذلك ثم قال لي بأنه مريض HIV.
أول رسالة بعد تلك كانت مهمة بالنسبة له بقدر الدنيا، وكانت "I know" لا أعرف لماذا قلت تلك الكلمة بالضبط إلا أنه سعد بذلك وفرح. وعلى مدار السنوات التالية، بقينا أصدقاء مقربين أكثر من أي وقت مضى، وكان ولا يزال يشاركني فحوصاته وتقدمه في العلاج حتى أن خلاياه الدفاعية تطورت من 600 إلى 700 في فترة وجيزة.
إن العامل البسيكولوجي مهم جدا لمرضى الـHIV بقدر ما هو مهم تناول حبوب الدواء الثلاث كل صباح ومساء. وعلى العربي الذي يطلق الأحكام بلا أي خلفية ثقافية أن يعلم بأن الـHIV مرحلة أولية من السيدا (اختصار باللغة الفرنسية) أوالإيدز كما يحبون أن يسموه، وليس كل مريض بالـHIV يموت كما يقولون، (حتى أن صديقنا أعلاه أكثر صحة منّي ).
وأتذكر الآن مقالنا الذي كتبناه هنا عن الطابوهات أين شكينا عجز العرب الرهيب من فتح باب الثقافة الجنسية في المجتمع بين الناس، فهاجمنا معظم المعلقون وآثروا ما سمّوه "ثقافة مجتمع" على وقت يولونه للثقافة الجنسية التي توعي الناس بأخذ احتياطاتهم قبل ممارسة الجنس وأثنائه أو بعده، فيتجنبون الأمراض. وهذه العقلية السخيفة بحق كانت سائدة في أمريكا عندما انتشر الـHIV وكان الأطباء وقتها يسمون "فيروس نقص المناعة المرتبط بالمثليين GRID" أين كتبت جريدتي تايم و نيوز ويك عن أول القصص المتعلقة بالمرض عام 1981 وربطوه كليا بالمثليين الذين كانوا وقتها يناظلون من أجل حقوقهم.
مرت الأيام وخرج العلماء بكثير من المعلومات عن المرض وكيفية انتقاله فأصبحت الثقافة الجنسية حاضرة بقوة أكبر بهدف تجنّب الأسوء. لكن الآن وفي العالم العربي، لا زال الناس يظنون أن ممارسة الجنس اللاصحي أسهل من الذهاب إلى الصيدلية وشراء علبة واقيات!!!!!!!. (الواقيات لا تقي من المرض لكنها قد تساعد في تجنب انتقاله).
ونحن والجميع يعرف بأن المرض ليس متعلق بالجنس اللاصحي فقط فهناك أسباب كثيرة لانتقاله، والجميع يعرفها والجميع لا يطبقها.
كم من السهل قول كلمة لطيفه واعطاء بسمة دافئة لشخص يحتاجها بحق، ليس المرضى يطلبون الكثير، سواء كان مريض HIV أو مريض إيدز، هم يطلبون اراحة عقولهم من التفكير في ردات فعل الناس المنحطّة ليتسنى لهم التخفيف من عبئ الكاهل المرمى على أكتافهم.
لمزيد من المعلومات الطبية عن المرض يمكنكم قراءة مقالة أحد المساهمين هنا، أو زيارة طبيب مختص وتجنب الاستماع إلى كلام الآخرين الذي لا أساس طبي له بالمرّة.
التعليقات