وعلى عادة كتب اللغة والأدب والأمثال تجد فيها فوائد كثيرة، فأصلُ هذه القصة أن هذا الرجل الذي يُدعى حُنَيناً كان إسكافا (صانع أحذية) من أهل الحِيرة، ظهر له أعرابي يرغب في شراء بعض البضائع، فبدأ يفحص البضاعة ويسأل عن أسعارها، كان الأعرابي يقول "هذا جميل، لكنه لو كان بهذه الصفة كان أفضل"، وكذلك يقول عن الأشياء الأخرى، إلى أن أُعجبَ الأعرابي بحذاءٍ وسأل حُنينًا عن سعره، فحاول حُنين أن يزيد في سعره بشكل مبالغ فيه، استمر الجدال حول الثمن لفترة طويلة، مما أثار غضب حُنين وإحباطه، وفي النهاية رحل الأعرابي دون شراء الحذاء، شعر حُنين بالغضب والرغبة في الانتقام من الرجل، فقرر التخطيط لذلك، أخذ زوج الأحذية وسبق الأعرابي في طريقه، ثم ألقى الحذاء الأول في الطريق واستمر في المشي، وبعد مسافة قصيرة، قام برمي الحذاء الثاني، ثم اختبأ ليراقب ردة فعل الأعرابي من بعيد، استمر الأعرابي في رحلته على دابته حتى وجد الحذاء الأول، وعندما رأى أنه يشبه الحذاء الذي أعجبه عند حُنين، قال في نفسه إنه لو وجد الحذاء الثاني، لكان بإمكانه امتلاك زوج الأحذية والاستفادة منهما، لذا قرر العودة للحذاء الثاني، في تلك الأثناء، قام حنين بسرقة دابة الأعرابي انتقامًا منه، ولما عاد الأعرابي فرحًا بالعثور على زوج الأحذية، لم يجد دابته التي كانت تحمله وتحمل متاعه، امتلأ الأعرابي حزنًا وندمًا على حظه السيئ، وعندما عاد إلى قومه، سألوه عن راحلته، فأجاب الأعرابي بحزن ويأس، قائلاً: "جئتكم بِخُفَّيْ حُنَين" أو "حِذَاءَيْ حُنين"، فصارت مثلاً يُضرَب عند اليأس من الحاجة، والرجوع بالخيبة، وهكذا انتشر المثل بين الناس عبر الأجيال.

فأصل المثل أُخِذَ من هذه القصة ثم انتشر ليصير مثلًا يُضربُ لكل من أخفق في مهمة ورجع منها بلا فائدة، بغض النظر عن مسلك أطراف القصة، لكن تتسم الأمثال بالقبول وتشتهر بالتداول.

قال إبراهيم النظام: يجتمع في المثل أربعة لا تجتمع في غيره من الكلام: إيجاز اللفظ، وإصابة المعنى، وحسن التشبيه، وجودة الكناية، فهو نهاية البلاغة.

وقال ابن المقفع: " إذا جُعِلَ الكلام مثلًا كان أوضح للمنطق، وآنق للسمع، وأوسع لشعوب الحديث".

ويجدر بي أن أهمس في أذن كل من يسعى في حاجةٍ ما، يريد تحقيقها: لا تيأس ولا تمل من سعيك، واعلم أن الناجحين قبل نجاحهم مروا بنوبات فشل، لكن إصرارهم على النجاح كان في حد ذاته نجاحًا.

قال بعضهم: الفشل هو النجاح إذا كنا نتعلم منه.، واعلم أن المتفائل مر بكثير من محطات الفشل لكنه لم يقف عندها.

ويا كل من لم يتحقق حلمه، وكل من حاول ولم ينجح، حاول مرة أخرى ولا تيأس، واقرأ قصص الناجحين تجد عندهم قصص فشل كثيرة، لكنهم تعلموا من فشلهم وحولوه إلى نجاح!، يحضرني مثال واقعي على مآسي الفشل التي تحولت فيما بعد إلى نجاح باهر (جوان رولينج) امرأة رفضتها جامعة اكسفورد لعدم اجتيازها امتحان القبول، وتزوجت ثم باء زواجها بالطلاق والفشل، بعدها فجعت بموت أمها، عانت من الفشل والاكتئاب لدرجة أنها فكرت بالانتحار، ثم جاءتها فكرة رواية (هاري بوتر) الضخمة، بيع منها نصف مليار نسخة تقريبًا وصارت الرواية الأشهر والأكثر مبيعًا في التاريخ بعد أن رفضها الكثير من دور النشر قبل ذلك!