غزة ليست بعيدة عنّا كما توهمنا الجغرافيا، وليست شريطًا محاصرًا عند تخوم البحر، بل هي مرآة صافية تعكس عجزنا، وتفضح هشاشة ضمائرنا، وتضعنا ـ نحن العرب ـ أمام سؤال لا نجرؤ أن نجيب عنه: كيف تركنا إخوتنا وحدهم في مواجهة الطغيان؟

أنا مغربية، من أرض حملت عبر التاريخ شرف الرباط والجهاد، من وطن لطالما كان قلبه نابضًا بفلسطين، لكنني اليوم أجد نفسي مضطرة أن أنحني خجلًا أمام دماء غزة. أعتذر... أعتذر من أمّ تبحث عن ابنها تحت الركام، من طفل ينام على أصوات القصف بدل الحكايات، من شيخ يودّع بيته للمرة العاشرة وما يزال يحمل مفتاح العودة. أعتذر لأن صمتنا أطال عذابكم، ولأننا اكتفينا بالدعاء فيما كان يجب أن نفعل ما هو أكثر.

غزة اليوم ليست فقط مدينة محاصرة، بل امتحان قاسٍ للإنسانية جمعاء. كل صاروخ يسقط هناك لا يجرح أطفالها فقط، بل يجرح أرواحنا نحن أيضًا. كل شهيد يرتقي من بين أزقتها الضيقة يترك على جبين الأمة ندبة عار لا يمحوها الزمن. فما قيمة أن نتحدث عن العزة والكرامة ونحن نرى العزة تُقصف كل يوم في غزة؟

لكن، رغم خذلاننا، تظل غزة أسمى من كل اعتذار. تظل شامخة كجبل، تقاتل عنا وعن كرامتنا، تحرس ذاكرتنا من النسيان، وتعلّمنا أن الحرية تُنتزع ولا تُمنح. غزة تجعلنا ندرك أن التاريخ لن يرحمنا إذا بقينا متفرجين، وأن الاعتذار الحقيقي ليس بالكلمات، بل بالفعل: بمواقف صادقة، بمقاطعة للظلم، بدعم حقيقي يتجاوز الخطابات.

غزة ليست قضية فلسطين وحدها، إنها قضية كل قلب حي. وإن لم نحمل هذا الوجع كما نحمل وجع أوطاننا، فلن نكون جديرين باسم العروبة ولا حتى بالإنسانية.

فليسامحنا أهل غزة على خذلاننا، وليغفر لنا الله تقاعسنا، ولْنَعِد أنفسنا أن لا يبقى هذا الاعتذار حبرًا على الورق، بل بداية لصحوة ضمير طال غيابها.