في طريقنا للولوج لمجال الكتابة قد تتردد على مسامعنا العديد من العبارات ولعل أبرزها: لتكتب لا بد أن تحترم قواعد اللغة والنحو، الكتابة بلغات الثالث تمتلك منهجية محددة، ولكن بعد أن نخوض تلك التجربة نتأكد بأن أغلبية ما عرفناه عن اللغة داخل أسوار المدرسة يعد ناقصا من خلال منهاج يحمل مواد جافة ترهق العقل على الحفظ وليس على بناء أفكارِ صحيحة منهجيا.

وبكل صراحة، هل صادفت يوما شخصا سألك عن أخوات كان وإن ومحلهما من الإعراب ؟، أو قال لك سبب تشكيل للكلمات التي تلفظت بها أمامه؟، هل سألك يوم شخصا عن الأفعال الخمس وبحور الشعر وغيرها؟، يا حسرتاه على تلك الأيام لو تمردت حينها عن معلمتي ولم حفظ قواعد الإعراب واستثمرت وقتي لفهم حياة الشاعر وخلفيته الأدبية لكان أنفع واستفدت من ذلك اليوم في مساري الأدبي.

أمس شاهدت مقطع فيديو للإعلامي أحمد فاخوري يسرد فيه قصة طلاقة لغته العربية، صرح بأن مشاهدة برامج الكرتون أكثر شيء به فائدة خلال تعلم اللغة العربية مقارنة بدروس النحو والبلاغة، وأضاف بأنه لو سأله أحد زملائه سببا وراء نصبه للفعل وليس رفعه مثلا، لأجاب بصراحة بأنه لا يعلم ولكن عملية النصب للفعل التي تلفظ بها صحيحة لغويا إنطلاقا من مرجعيات الكتب والقواميس التي اطلع عليها هي من تثبت ذلك.

وفي طريقي لكتابة هذه المساهمة تأكدت بأن الكتابة الصحيحة لا تراعي فقط قواعد النحو وإنما لا بد من أن نحدث توازنا بين جودة مضمون ما نكتب عنه والكتابة الخالية من الأخطاء، كما أننا لا يمكن أن نجزم بأن الكتابة التي نسير عليها ذات منهجية صائبة دائما، في ظل وجود نماذج خاص يتمتع بها كل كاتب على حدى ، ولو ذهبت لكبار اَلْكُتَاب ليفيدوك بالخلطة السحرية، لأخبروك بأنه لا توجد منهجية مضبوطة فالأمر متعلق بأسلوب الكاتب في حد ذاته وطبيعة المضمون وكذا الجمهور المستهدف من خلال تلك الكلمات.

وقد تحدث عن الموضوع الكاتب القدير مصطفى لطفي المنفلوطي، فقال يسألني الكثير من الناس كيف أكتب رسائلي؟ ليعرفوا الطريق التي أسلكها إليها فيسلكوا معي، فيجيب: خير لهم ألا يفعلوا، فأني لا أحب لهم ولا أحد من الشادين في الأدب أن يكونوا مقيدين في الكتابة بطريقتي أو طريقة أحد من الكتاب غيري.

ولمن يعتقد بأن اللغة تحمل مفردات محددة لا يجوز التلاعب بها، فالأمر غير ذلك فالشعراء القدامى قد عكفوا على استخدام بعض من العبارات لو بحثت عنها في قواميس اللغة لما وجدتها، لكن الأمر جائز في اللغة ولعل الأستاذ عارف حجاوي الغني عن التعريف صاحب قاموس اللغة العالية نفسه قال مرة في حواره في حصة تنوين بأنه يتلاعب بألفاظ اللغة العربية ويتسلى بها في مواقف فكاهية أثناء عرضها للمشاهد، وهو أمر جائز مثل قول بأن مستويات الكذب تمر كاذب ، كذوب، كذوبذوبان، وقد تحدث عن أولئك الذين يقدسون اللغة القديمة ومنهاجها واعتبره مرض المتخلفين لكونهم يخافون من الحاضر والمستقبل، ويعتبر أن اللغة تغيرت لكوننا نتداولها في حياتنا اليومية، وبطبيعة الحال هي ليست كما كان يكتب ويتحدث عنها القدامى أمثال الجاحظ مثلا، وقد نجد الآن العديد من مواضيع باللغة العربية تحمل ألفاظ بالعامية ومصطلحات مترجمة حرفيا من الأجنبية الى العربية.

ما رأيك أنت، هل تعتبر بأن الكتابة الحقيقية لا منهجية لها؟ ولماذا؟