تُعد الرواية من الأجناس الأدبية التي تحظى بإنتشار واسع في بيئة العربية خصوصا روايات الإجتماعية والرومنسية، ولا أظن أن يوجد أحد هنا لم يقرأ رواية معينة في حياته، قراءة الرواية بمثابة الجسر الذي لابد أن يمر عبره أي كاتب مبتدئ أو روائي ناقد، لكون الأسلوب الذي ينتج به الرواية يساعد في إنتاج أي نص بإختلاف مجالات ذلك.
وقد نجد أي مجال أدبي قد تعرض للنقد والطعن من طرف النقاد، هكذا هي الرواية الكثير من الأدباء من أنتجوا نصوصا تحدثوا فيها عن موت الرواية والثغرات التي تحتويها، مثلا الكاتب الأمريكي ليزلي فيدلر قد كتب في مقال له بعنوان "ماذا كان يعني موت الرواية ؟" وقد نَبه بالخطر الذي يواجه هذا الفن بإعتباره لم يعد يكتب ليقرأ كفعل فردي حر يدفع بالقارئ الى شراءه بين رفوف المكتبات لأن هذا الأخير قد وجد بديلا عن ذلك وهي التكنولوجيا الرقمية التي ترفه عن ذاته كما كانت تفعل الرواية سابقا، ولكن المثير للإنتباه أن الكاتب أدرج حلا من أجل عودة الرواية لساحة من خلال إدراج بعض من نصوصها في المقرر الدراسي وهكذا تصبح قراءتها إلزامية أو يمكن تحويلها الى فيلم يثير إهتمام المشاهد لقراءة نسخته الورقية، ولكن قبل كل ذلك لابد على الروائي برأي أن يسأل نفسه ما إن كان يريد من كتاباته أن تُدرس وتحلل أم يريدها فقط أن تُباع على رفوف المكتبات لأي قارئ كان.
ولكُم أن تتخيلوا بأن بعض من الباحثين في سنوات العشر الأخير قد تنبؤا بموت الرواية، ومع كل ذلك لم تمت الرواية الى حد الأن، ومن بينهم الباحثة الفرنسية إيزابيل هوسير قد تنبئت سنة 2008 بموت الرواية وبأنها قد دخل مرحلة الإحتضار من خلال:
- طغيان التقليد في المقدمات والهوامش وكثرة تكرار أفكار الأعمال السابقين.
- تراجع الأسلوب التخيلي في الرواية في مقابل إنتشار الأسلوب الواقعي والعقلي.
- تراجع إبداع الروائيين وعدم إهتمامهم الدؤوب إدراج الحبكة القوية والشخصيات المعبرة.
دعٌونا نترك الأسباب التي تحدث عنها الباحثة جانبا، ونسأل أنفسنا ما الدوافع الحقيقة التي تجعل الرواية يتراجع أداءها؟، لعل من الأسباب التي تجعل بالروائي اليوم لا يطور من نفسه لإنشغاله بعوامل خارجية أخرى من بينها:
- الرقابة الصارمة على مخطوطاته والمنع من النشر: الرقابة الممارسة في حق الروائي تقتل إبداع الكاتب وتجعله ينتج أدبا يتناسب مع رؤية الناشرين والمراقبين خوفا من تعرض مخطوطه للرفض.
- القمع والاعتقالات: قد لا يمثل الإعتقال الخطر الوحيد الذي يهدد الرواية بل أن الإعتقالات غير المبررة قد تنتج لنا محتويات سطحية وأعمال رديئة فنيا، ولا يمكن أن ننكر بأن ظاهرة الإعتقالات أصبحت مسألة عادية ومنتشرة في البيئة العربية، والأسماء كثيرة للذين أغتيلوا بسبب أعمالهم، أحمد ناجي الروائي الذي سجن بسبب أنه نشر فصلا من روايته "إستخدام الحياة" في جريدة أخبار الأدب فعتقل بسببها نتيجة أن النيابة إعتبرت أن نصوصه تعبر عن سلوكيات غير أخلاقية لذلك وجب معاقبته، بالرغم من روايته إيحائية ولا يستطيع القارئ العادي أن فهم مقصوده إلا بعد أن يعيد القراءة له مرات وكرات.
- الإبعاد والنفي: تدفع الرقابة المستمرة للروائيين الى مغادرة أوطانهم، مثل ما حدث مع الكثير من الروائين والشعراء والكُتاب من مختلف أوطان العربية، وقد يصل لحد أن يحول الروائيين والشعراء مضمون كتاباتهم الى إنتاج كتابات تعبر عن الحنين للوطن مثل ما فعل الشاعر محمود درويش معبرا عن إشتياقه لوطنه: "مهاجراً أتى هنا... و لم يعد إلى الوطن؟ هل يذكر المساء مهاجرا مات بلا كفن؟".
ولكن من ناحية أخرى قد يموت إبداع الروائي سرعان ما يشعر بنفسه وحيد في بلد الغربة، ومظلوم نتيجة ما وقع له.
هذه الأسباب وأخرى تدفعنا للقول بأن الرواية في خطر ومع ذلك مازالت تناضل في بيئة لا تشجع الإبداع ومن جمهور لم يعد يهمه ما يجري لكاتبه وهو منشغل في توفير لقمة عيشه.
ماذا عنك يا عزيزي الحسوبي، هل تعتقد أنت أيضا بأن الرواية في خطر؟ وما أبرز الأسباب التي تجعل من أداءها يتراجع في البيئة العربية خصوصا؟
التعليقات