كيف تؤثر في الآخرين وتتمكن من تغييرهم الأفضل؟ 

في كتاب جلال أمين "ماذا علمتني الحياة" تطرق لملاحظة قد تكون بديهية من الوهلة الأولى، ألا وهي تعدد أخوانه وأخواته في البيت الذي يقطنون فيه مع والدهم ووالدتهم، فمن تعدد الأخوة تختلف شخصياتهم جذريا، فجلال ليس كأخيه حسين، أو أخته فاطمة وهكذا. 

فعلى الرغم بأن الوالدين هم نفسهم، والجينات أيضا هي نفسها، إلا أن الطباع تختلف تماما مع كل شخص، فمن هم من تكون المادة وجمع الأموال نصب عينيه، أو تكون الأخت جلّ إهتمامها في مظهرها وأنقتها، وآخر لا يكترث بالحياة طولا بعرض، والمؤمن إيمانا تاما بحياة التقشف والبساطة.

يدور بخلدي دوما كيف لنا أن نغيّر من حولنا من الأشخاص للأفضل، كيف لنا أن نخبرهم بفداحة أخطائهم وحرصنا بدورنا على تصحيح أوضاعهم لأحسنها، ولكن بدلا من ذلك نتفاجئ بتكرار ممارسات صبيانية من قبلهم دون وجود رادع يوقفهم عن إرتكاب الحماقات التي فيها من الخطأ ما لا يمكن تفسيره ولا تبريره إلا بالبلادة وعدم النضج.

ومن هذا المنطلق دوما ما أتذكر موقف النبي محمد ﷺ حين حضور الوفاة عمه أبو طالب، الذي دافع عنه من أمام قريش، وهو الذي نصر النبي ﷺ حينما كذّب كثير من أهل قريش دعوته، ومن أمام عمه الآخر أبو لهب الذي وقف أمامه وقوف الندّ للند، وحينما تحسر نبينا محمد ﷺ على عدم نطقه بالشهادة نزلت الآية (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ).

وهنا لا أبد أن أقف أمام نقطتين رئيسيتين: 

١) أفضل الحلول هو أن تُسّلم بالآية، وأن تكون قدوة حسنة للآخرين، دون أن تبدد جهودك في محاولة تغيير من تحاول تصحيح إنعواجه، وأن يكون ديدنك الآية قوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) وكما قال الشاعر: 

ابدأ بنفسك فأنهها عن غيها … فإذا انتهت عنه فأنت حكيم 

لا تنه عن خلق وتأتي بمثله … عار عليك إذا فعلت عظيم

- أبو الأسود الدؤلي- 

٢) أن توقف كل تفكير يؤجج مشاعرك، ويؤدي بك إلى معترك إجبار الناس وتغييرهم للأفضل، ولتؤمن بحق بأن أفضل ما يتعلم به المرء من أخطاءه، فلن يجعله ينمو، ويتطور، ومكونا بذلك لاحقا مفهومه الخاص، سوى الاستفادة من تلك الأخطاء ومن ثم تقويمها لاحقا، وأظن في قصة موسى عليه السلام مع الخضر في تسرع النبي موسى وإطلاقه الأحكام درسا جعله يستفيد منه حقا في التسليم بالقدر قال تعالى : (قالَ إِنَّكَ لَن تَستَطيعَ مَعِيَ صَبرًا * وَكَيفَ تَصبِرُ عَلى ما لَم تُحِط بِهِ خُبرًا)، وكلنا نعلم تكملة القصة وتعلم نبي الله موسى عدم التعجل والتسليم بالقدر الذي أراده الله. 

وهنا سأوصي بأحد أجمل ما قرأت لمالك بن نبي -مشكلات الحضارة- والتي إنطلق من خلالها من تفسير الآية لقوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ)، والتي من خلالها تطرق لكثير من المفاهيم حول تحليلات أفول الشعوب ومن ثم ظهورها لاحقا، مع تفسيرات كثيرة حول الثقافة، والحضارة، والعلم، والتعليم، سبق وأن قمت بعدة تغريدات مقتبسا بذلك أجمل ما قرأت من كتاب مالك بن نبي (مشكلات الحضارة) هنا. 

Abdulaziz ☤LA☤ on Twitter: "النقد يحافظ للمجتمع على فعاليته وحيويته ، وتلك وظيفة الثقافة داخل الفرد وداخل المجتمع ! وهناك بون شاسع ما بين (النقد) و (التشويه) مالك بن نبي كتاب -مشكلات الحضارة-"

twitter.com

‏ستمر كثير من الشخصيات في حياتنا، هناك من ستعجب فيه بحق، وهناك من ستقف أمامه دون محبة أو كره، وهناك من ستكره وتزدريه، ليس عليك محبة أحد أو نبذه، فقط عليك الانشغال بنفسك، تاركا للآخرين مساحة يخطئوا فيها، منشغلين بأنفسهم، ومنشغل أنت الآخر بما تهواه وتحبه.