" ما طلبت شي، كل اللي ابغاه رجّال يحترمني ويقدرني ويدعمني"
رد علي ضاحكاً: "انتي الحين تبين الدنيا كلها وتقولين ما طلبتي شي؟!"
مر أكثر من عامين على هذا الحوار ومازال صداه يصدح في رأسي، لم يزعجني الرد بمقدار ما ازعجتني واقعيته، اننا وصلنا الى هذه المرحلة من التطور والحداثة ومازالت رغبة المرأة برجل يعاملها بمساواة أمر جلل ومحل استنكار، أن تكون بجانب رجل يحترم أنها كيان منفصل عنه وليست "تابع"، لديها الحق أن تسبح في فضائها الخاص خارج فلكه، ويقدّر أن ما تتنازل عنه لأجله سخاءً منها ليس من حقوقه.
تعاني معظم النساء في مجتمعاتنا الشرقية من معاملتهن وفق نزعةٍ ذكورية متسلطة تؤثر على معاييرهن في الارتباط، وفي أحيان كثيرة تؤدي بهن إلى القبول بأدنى مستويات المعاملة و الخضوع لقيود مجحفة.
من أين تبدأ معاناة النساء؟
حري بنا التطرق إلى الأسباب التي جعلت ارتباط النساء بشريك داعم أمر خيالي أو-في أفضل الأحوال- ضربة حظ، بينما هو واقع يعيشه أكثر الرجال.
ولعل أكثر الأسباب أهمية "المرأة الذكورية" والتي على الرغم انها نتاج ايدولوجيات الرجل إلا أن خطرها على نظيراتها أكبر!
تبدأ القصة في منزل يسوده جو من التمييز حيث تختلف المعاملة بين البنات والأولاد، فمع ابنها لا تنفك عن تكرارعبارات مماثلة لـ: "ألف بنت تتمناك" بدون مميزات حقيقية تتمناها أقل فتاة، وهذا يجعله لا يبذل أي مجهود واضح في علاقاته لأنه الرجل المثالي في عيون والدته ويتوقع من جميع النساء نفس المعاملة لكن الواقع له رأي آخر.
على خلاف ذلك تضع الكثير من المعايير على كاهل ابنتها وتهمش احتياجاتها واهتماماتها، تسطّحها لتملأها بأفكار عما يحبه الرجل بالمرأة وما يجب أن تكونه، فلا بُد أن تكون "قطة مغمضة" لأنه لا يحب المرأة التي تعرف كل شيء وفي نفس الوقت يجب أن تتعلم جميع الحيل والمكائد لكسب قلب ذات الرجل!
فتنشأ فتاة مفرغة من الثقة محشوة بالخوف من الهجر والخنوع والتخلي عن رغباتها وحقيقتها لتكون نموذجًا مثالياً لما يريده الرجل.
والمحزن حين تكبر وتصطدم بواقع آخر تكتشف فيه أنه يوجد هناك رجال أسوياء نشأوا في بيئة واعية وأن الأمر معهم لا يتطلب منها الكثير لتُقبل كما هي، ولأنها لا تعرف شعور الأمان، أمان أن تكون ذاتها وتُحَب لأنها ذاتها بدون تزييف، فتبدأ حينها مرحلة التدمير الذاتي لاعتقادها بأنها لا تستحق كل هذا الحب، أو تظن بوجود مصالح خفية خلف كل هذه العاطفة وتشكّك في كل كلمة وفعل لطيف وتبحث عن أسبابه و مآربه، نتيجة لذلك قد تخسر رجل طيب يحبها حقاً بسبب أوهام ومخاوف لا وجود لها.. لكن من يستطيع لومها؟!
يُلام المجتمع الذي يخاف من صوت الفتاة التي تعرف حقها لأنه يعرف أن أكثر النساء خطراً هي تلك التي تملك الصوت لتسأل: "لماذا؟" فمن هذا السؤال يبدأ جحيمهم ومحاولاتهم لإخماد هذه النار قبل ان تأكل لهيبها كل معتقداتهم وأعرافهم البالية.
رغم ذلك يميل الرجل غالباً للمرأة القوية والذكية ويستميت في سبيل التعرف عليها وتكوين علاقة معها وما أن تسمح بدخوله حياتها يقلبها رأساً على عقب ويبدأ في قولبتها وعجنها ليغيرها عما احبّه فيها من البداية؛ ببساطة لأنها لا تناسب نموذج الزوجة المطيعة الذي نشأ عليه.
سبب آخر يعزّز ما سبق ذكره هو الفن الهابط ،من الأغاني التي تتغنى بالعذابات والتملك والتخلي عن الحقوق وسلبها، إلى المسلسلات والكليبات التي صورت المرأة على أنها الحلقة الأضعف والأكثر عاطفة والأقل كرامة وبناءً على ذلك يتوقع منها دائماً التضحية بما لها لمصلحة الأخرين في العلاقات العاطفية أو الاجتماعية على حد سواء.
كيف تنتهي هذه المأساة؟
لكيلا تنتقل إلى الأجيال التالية، حطمي الحلقة التي تدور بها النساء منذ عقود بالتشافي؛ تشافي من المعتقدات الخاطئة التي زرعوها النساء من حولك، من جروح الطفولة، من العلاقة الأولى التي شهدتها في حياتك وستلقي بظلالها لاحقاً على باقي علاقاتك؛ والديك.
لا تسقطي تجارب أخرى على تجربتك الخاصة فلكل علاقة ظروفها.
أخيراً استقبلي الحب بكافة أشكاله، عبري عن مشاعرك ورغباتك، ارسمِ حدودك جيداً ولا تتهاوني مع المتعدين عليها، فالحب الذي تخسرينه في سبيل نفسك يمهد الطريق لحب أقوى وأنقى.
التعليقات