ربما تكون هذه هي النصيحة الأكثر تضليلًا التي يمكن لأي كاتب الحصول عليها؛ فإنها لا تساعد إلا في بناء الجدران في ذهن الكاتب، وتفرض قيودًا اصطناعية تولد من عدم اليقين وزعزعة الثقة في قدرة الكاتب على الإبحار فيما يفوق حدود معرفته. فكم من كاتب شاب، سمع هذه الكلمات وتملك منه اليأس! فمثلًا أولئك الذين يعيشون حياة هادئة وطبيعية لا شك في أنهم يعتقدون أنهم لن يستطيعوا أبدًا الإتيان بفكرة تجذب القراء؛ فإذا كان لابد لهم أن يقتصروا على الكتابة ضمن معايير حياتهم الخاصة، فلماذا قد يهتم أحدهم بما يقدمونه من أعمال؟ فربما قائمة المشتريات ستكون مثيرة أكثر للاهتمام.

ثم لا أعتقد أن الكُتاب المشهورون يطبقون هذه النصيحة بحذافيرها، فمثلًا هل قابل «برام ستوكر» مصاصًا للدماء حقا قبل كتابة روايته الكلاسيكية «دراكولا»؟ ولا اعتقد أيضًا أن الدكتور «أحمد خالد توفيق» قد قابل في حياته مختلف أنواع المخلوقات الماورائية حتى يتسنى له كتابة سلسلة «ما وراء الطبيعة».

عندما بحثت عن أصل المقولة، وجدت أن الكثيرين ينسبونها للكاتب «إرنست همنغواي»، ولكن وجدت له مقولة أخرى تقول: «من خلال دمج كل الأشياء التي تعرفها وكل تلك التي لا يمكنك معرفتها، فإنك من خلال توظيف قدراتك الإبداعية تصنع شيئًا مبتكرًا لا يكون تمثيلًا لأي شيء معين، بل يكون شيء جديدٌ تمامًا أكثر صدقًا من كل ما هو حقيقي وواقعي».

 وهنا أعتقد أن «همنغواي» كان يقصد أنه ربما يكون الحمض النووي الخاص بالكتابة الإبداعية يشبه إلى حدٍ ما الحمض النووي الخاص بالبشر؛ أي أنهما يكونان لولبًا مزدوجًا، واحد منهم يولد بفضل خبرة الكاتب نفسه، بينما الأخر يكون يولد مما يرغب الكاتب في تجربته وخوضه، ويأتي الخيال والإبداع إلى الوجود عندما يتم ربط هذين الشريطين معًا.

وأنت، ما رأيك في هذه النصيحة، هل تؤيدها أم ترى أن الكاتب لابد له أن يبحر خارج نطاق معرفته؟