أي شخص في هذا العالم، قد يمر باللحظات متقلبة و فترات من القلق والألم يعجز فيها عن المواجهة ، يفضل العزلة على الاختلاط، الصمت على البوح، وباعتبار أن الكاتب ابن بيئته، يشعر بأنه مسؤول اتجاه ما يقول وما لا يجب أن يتلفظ به، يشارك أبناء منطقته واقعهم، ويسعد لأفراحهم، ويحزن لأقراحهم، مثل هذه الأمور تؤثر على نفسية الكاتب اتجاه المواضيع التي يتطرق إليها، وما يحدث في الفترة الأخيرة جراء غضب الطبيعة الذي ساهم في ارتفاع حرائق للغابات الممتدة في الكثير من بلدان العالم ك: الولايات المتحدة، اليونان، وها هي الجزائر اليوم تعلن حداد جراء الفاجعة التي ألمت بنا نتيجة احتراق لغابات في 16 ولاية.

 الكاتب عندما يعيش واقعه المؤلم قد يعجز أحيانا عن إمساك قلمه، يديه مربطتان وهو يرى بلده بحجم قارة تحترق، وأبناء وطنه يموتون، منذ يومين لم أكتب شيئا، لم أجد ما يُكتب سوى هذه الكلمات التي عجزت أن أعبر عنها حينها.

لكن أتعلمون، في ظل عجز الكاتب عن الكتابة قد يتعلم دُروسا أثناء هذه اللحظات المحزنة التي يشهدها: 

  • يتعلم أن يكون إنسانا قبل أن يكون كاتبا، ففي مثل هذه الفترات لا يريد القارئ أن تشعره بأنك معلمه تملي عليه كيف يفكر، وما يجب أن يكون عليه، أو أن تستصغر معاناته بقول" ما حدث سيمر لذلك لا تقلق"، حسنا، ربما الأراضي الخضراء التي حُرقت بإمكان أن تسترجع بالجهد و الزرع، لكن الأرواح التي فقدت كيف بإمكانها الرجوع؟ وماذا عن الكابوس الأحمر الذي شهدوه أصحاب المنطقة في ليلة لم ترى أعينهم النوم كيف بإمكان محوه من ذاكرتهم وأشياء كثيرة معنوية، لا تسترجع لا بعدد الأحرف لا بالمواساة المصطنعة، فالقارئ لا يريدنا أن نكون مثالين في كلماتنا بقدر ما يريد أن يرى واقعيتناـ، حقيقتنا التي تتجسد في مشاركته ما يشعر ونتألم لأحزانه.
  • يتعلم الكاتب كيف يكون واقعي يركز بعناية في اختياره للمواضيع وأن يتوقف لحظات عن نشر كتاباته السابقة، مثل هذه المواقف تظهر معدن الكاتب الحقيقي، فمن غير الممكن أن يستمر في إخبار القراء كيف لابد أن يعيشوا وما سينتظرهم في المستقبل إذا فكروا بوعي، في المقابل القارئ يكابد ليلا نهارا في تقبل ما حدث له وكيف بإمكانه أن يخرج من أزمته، تائه في واقعه وفي الفاجعة التي سحقته، فكيف له أن يفكر في المستقبل؟
  • وأهم شيء يتعلمه الكاتب كيف يصمت، بعض الكلمات وإن كانت معبرة أفضل لها ألا تقال في مثل هذه الظروف، لحظات تعلمنا الانسحاب والمشاهدة على التلفظ بعبارات لا تحقق أهدافها، وباعتبار أن الكتابة رسالة، مثل هذه الظروف تبطل فعاليتها ، وباعتبار أن القارئ يتأثر بكلمات الكاتب، غير أن القارئ نفسه متؤثر من الأساس بواقعه المؤلم، لذلك إذا فقدت الكتابة رسالتها والقارئ، لا مساحة لوجودها، يكفي أن تبقى أفكارا عالقة بذهن صاحبها أفضل أن تجف إذا قيلت وتصبح غير معبرة فتُهمش من جمهور القراء.

 

وماذا عنكم يا أصدقاء، هل عشتم لحظات في محيطكم عجزتم فيها عن التعبير والكتابة، متى حدث ذلك؟