كلما احترف الإنسان شيئًا صار أكثر بساطة في تنفيذه، أما الذي يعلم بضمور قدراته فيميل إلى الاستعراض والتعقيد، يقول لنا الكاتب إرنست هيمنغواي "على الكُتاب أن يكتبوا وهم واقفين ليتعلموا كتابة العبارات القصيرة" فلماذا العبارات القصيرة؟ 

إنها الأفكار التي نخشى أن تضيع

في العبارات المطولة يشعر القارئ بالإرهاق، ربما الملل، إنه لا يستحسن الأسلوب، فالكاتب الذي يطيل العبارات يبدي جهله بأساليب اللغة، ويصبح كسائق عجز عن إيقاف سيارته، فكسر إشارة مرورية، وعندها يتوقف القارئ عن القراءة، بينما نحن لدينا أفكار ستضيع، لأنه لن يقرأها. 

قوة العبارات القصيرة

تتسم العبارات القصيرة بأنها تسقط في تواتر ممتع ومُفصَّل وسهل بذهن القارئ، وهي تجعله يشعر بأنه ينجز القراءة بسرعة، أما العبارات الطويلة فتشبه جملة موسيقية انتهت روعتها وكان على العازف أن ينتهي، لكنه أصر على الاستمرار، كما أن العبارات القصيرة تعبر عن البراعة في إطلاق المضمون إلى حيث يستوعبه الناس، وتكون كقرع الأجراس، فالجملة الصغيرة هي التي تمكث في الذاكرة، وذلك بالابتعاد عن الجُمل الاعتراضية التي تجعل المعنى يضيع، أو الاسترسالات التي تشرح معنى فهمناه مسبقًا، والأسوأ منها: تلك التي لا تعبر عن شيء!، والتي وضعها الكاتب ليستعرض عضلاته.

الحذف

النص لا يصبح أنيقًا دون حذف، مثل الحلاق الذي يهذب الشعر، وإذا كانت الإضافة ممتعة وثرية، فإن الحذف لا يُفقد الكاتب متعته، ويسعني أن أذكر ما قاله نجيب محفوظ: بأنه حين يجد أن شيئًا ما موجود في نصه الكتابي لا يضيف للنص، فإنه لا يتهاون في حذفه، مهما بلغ به من تفاخر وإعجاب، فإن الكلمة التي لا تضيف للنص ستضيف عليه، مثل الطعام الذي إذا لم يستفيد به الإنسان فسيضطر لحمله وزنا زائدًا، وعلى ذلك فإن الحذف لا يقل أهمية عن الإضافة، فهو ينقذ النص من الهجر، ويقود القارئ إلى السطر الأخير. 

فهل شعرت من قبل بتميز العبارات القصيرة عن الطويلة؟ أم ترى العكس؟