كل ما هو جميل وخير في مجتمعنا نابع من الموت ... من لغز الموت

أعجبتني نقطة الشجاعة وربطها بفكرة الموت، فقد تأمل هذا الأمر أبو الطيب المتنبي وسرده في أبيات شعرية بديعه:

غَيرَ أَنَّ الفَتى يُلاقي المَنايا

كالِحاتٍ وَلا يُلاقي الهَوانا

وَلَوَ أَنَّ الحَياةَ تَبقى لِحَيٍّ

لَعَدَدنا أَضَلَّنا الشُجعانا

وَإِذا لَم يَكُن مِنَ المَوتِ بُدٌّ

فَمِنَ العَجزِ أَن تَكونَ جَبانا

وإلا فما الداعي لوجود أخلاق في مجتمع كله من الخالدين الذين لا يضعفون ولا يشيخون ولا يموتون؟

طيب، هل هذا معناه إنه مع تطوّر علم إطالة الحياة في الطب، وكانت للأمراض الخطيرة حاليًا علاجات بسيطة مستقبلًا، هل هذا ليؤثر في بوصلة الأخلاق المجتمعية؟؟ هل ستستمر رغبتنا في ترك إرث في أسرع وقت، أو الزواج والإنجاب؟ تلك الأسئلة راودتني في قراءة موضوعك بصراحة، أنا معكِ أن الموت يفرض نفسه علينا، حتى أن أصعب قراراتنا نواجهها بعبارة "الحياة قصيرة فلما الانتظار؟".. ولكن حتى مع قصر مدة الحياة، ما زلنا نرى أناس على أعتاب الموت حرفيًا، ولا توجد لديهم أي بوصلة أخلاقية على الإطلاق، إذن فالفطرة هنا ليست إجابة بعينها، فما رأيك صديقتي؟

هذه هي الإشكالية التي بنى عليها فرويد كل نظرياته في علم النفس، وهي فكرة حافز الموت التي يسميها هو ب" التدمير الذاتي" ، ملخصها أن غاية وجودنا ليست اللذة ولا حتى التفكير أو حفظ البقاء والاستمرار ، بل هناك دافع أعمق هو غريزة الموت التي تدفعنا للتدمير الذاتي الحياة تحمل في ذاتها نزعة للعودة إلى العدم والأصل الدي جئنا منه مما قبل الولادة حيث العدم والجمود، هذا الدافع يظهر في أشكال متعددة: العنف، العدوان، الانتحار، وحتى التكرار القهري للألم.

البشر يخافون الموت لأنه مجهول، ولأن الفطرة البشرية متعلقة بالبقاء. نحب هذه الدنيا رغم قسوتها، ونخشى أن نفارق من نحب. .تذكرتُ رجلاً قال لي: "ما زلت أنتظر الموت أن يأتي لي"، وكان في عمر السبعين. حينها أدركت أن الإنسان، لو علم ميعاده، ربما يختار الرحيل قبل ذلك الموعد.

الموت فكرة غريبة على القلب سنة الحياة، كما هي سنة الولادة والموت جزء لا يتجزأ من دورة البقاء .

الموت يربطنا بالزمن، يجعل كل لحظة ثمينة، ويعلّمنا أن الحب والحياة والمشاعر كلها مؤقتة، وأن القبول به هو جزء من حكمة الوجود.