أعظم الأفكار تولد في لحظات الفراغ من كتاب "فن الكسل"

هل مررت بلحظة أدركت فيها أن الإنجاز المستمر لا يعني التقدّم الحقيقي؟

مررت بهذه اللحظة لكن بعد فوات الأوان للأسف.

في وقت الجامعة كنت أتطوع في تنظيم فاعليات وعلاقات عامة وعمل مبادرات وأشياء تتعلق بتخصصي وكنت منهك فيها جدا ومزدحمة حياتي وأيامي بشكل لا يوصف؛ حتى اكتشفت أن النجاحات المتتالية ليس لها قيمة إذا كانت على حساب صحتي الجسدية والنفسية وأن شيء واحد قد أقوم به ويُحدث أثر حقيقي أفضل بكثير من أشياء كثيرة قد أقوم بها ويصفق لي الناس عليها وهي تنهكني وتمتص طاقتي.

 نقاش "ثقافة الإنجاز" المفرطة مهم جدا سيمون ، لكن اسمحي لي أن أطرح زاوية نقدية لفكرة "الكسل" التي يتم تبنيها أحيانا كرد فعل.

الخلط بين الراحة الواعية وبين الكسل الحقيقي هو ما قد يجعل البعض يسير في الاتجاه المعاكس تماما. "فن الكسل" جميل حين يُفهم كدعوة للتوازن، لا كمبرر للهروب من الالتزام. المشكلة ليست في السعي أو الطموح، بل في فقدان البوصلة الداخلية وسط زحام المقارنات والمثالية.

الكسل – بمفهومه الفعلي – ليس تحررا، بل هو استسلام مغلف بالراحة المؤقتة. صحيح أن الضغط المستمر يؤذي النفس، لكن لا يمكن أيضا تجاهل أن كثيرا من الإنجازات العميقة وُلدت من الانضباط، لا من لحظات الاستلقاء الطويلة.

البديل؟ أن نعيد تعريف الإنجاز، لا أن نتخلى عنه. أن نعمل بإحساس لا بهوس، وأن نرتاح لنستعيد شغفنا، لا لنبرر توقفنا.

سؤالك مهم، وإجابتي عليه: نعم، مررت بلحظات راجعت فيها علاقتي بالوقت والإنتاج، لكنني أدركت أن القيمة ليست في عدد المهام المنجزة، ولا في لحظات الراحة وحدها، بل في أن أكون حاضرا في كلا الحالتين.

قد تكون المهام الكثيرة المتتالية هي نوع من الاجتهاد المريح، ينهمك فيه الإنسان لأنه معتاد عليه، وهو أسهل عليه من خوض تجارب مجهولة لا يعرفها.

تجربة الجديد وخوض المجهول على صعوبته هي تجربة ضرورية للنجاح ولا يكفي الجهد المتواصل في تحقيق إنجازات كبيرة.

في هذه الحالة نكون استبدلنا الجهد المألوف كثير الكمية بجهد غير مألوف قليل الكمية لكنه جهد مركز.

أصدق شيء سمعته في حياته كانت مقولة لأحدهم: أبطئ حتى تسرع.

لعل في البطء أحيانًا سرعة، فأنتِ حين تبطئين وتهدأين تتركين الوقت لنفسك حتى تفكرين في صحة خطواتك.

صراحةً، كثيرون (وأنا منهم) وقعوا ضحايا لما يمكن أن نُسميه "الإدمان المقنّع" للإنجاز. تلك الحالة التي تلبس فيها الإنتاجية قناع الفضيلة، بينما هي في العمق هروب من الذات، أو محاولة مستمرة لإثبات قيمة ما بداخلنا لمجتمع لا يكف عن الصراخ: "افعل أكثر.. كن أكثر!"

أنا أيضًا وقفتُ أمام مرآة التجربة، وقلت لنفسي: "طيب.. وبعدين؟"

هنا أدركت أن الحياة ليست سباق إنجازات، وأنه من الطبيعي أن تكون هناك فترات من الراحة والسكون وعدم الإنجاز وأن هناك فرق بين أن تعمل لأنك تحب، لا لأنك تخاف من "التأخر.

كتاب مثل "فن الكسل" هو ضرورة نفسية وعقلية؛ فالعصافير لا تُغني وهي مرهقة، والشجر لا يثمر في كل الفصول.

ما طرحته يفتح نافذة على واحدة من أخطر الخدع المعاصرة وهم الإنتاجية، تلك اللحظة التى نقنع فيها أنفسنا أن التقدم لا يقاس إلا بعدد المهام المنجزة أو عدد ساعات العمل، بينما الواقع النفسى والبيولوجى يخبرنا بعكس ذلك، قد مررت بتجربة مشابهة أثناء عملى على مشروع تطلب شهورًا من التركيز والضغط، كنت أظن أن تخصيص كل دقيقة له هو السبيل الوحيد للنجاح، لكنى لاحظت تدهور جودة عملى ، فقط حين بدأت تخصيص وقت للراحة المقصودة بدأت الأفكار تتدفق ، ما تقولينه تؤكده أبحاث حديثة في علم الأعصاب. مثلًا فى دراسة عن النوم والذاكرة وجدت أن لحظات الاسترخاء الذهنى كالشرود والتأمل تعيد تنظيم الذاكرة وتعزز الإبداع. وكذلك يشير بعض علماء النفس إلى أن أوقات الراحة ليست ترفًا، بل هى وقود للإنتاج العميق ، الفكرة هنا ليست الترويج للكسل بمعناه السلبى، بل إعادة تعريفه كـمساحة لاستعادة الذات واستكشاف الداخل، فالفراغ أحيانًا لا يعنى الفراغ، بل الامتلاء المؤجل، والأجمل أنك خرجت من هذه الدوامة بكنز موهبة الرسم، وعمق العلاقات، وراحة الذهن وهو انجاز حقيقي

مرحبًا، نعم، مررت بتجربة مشابهة. في بداية دراستي الجامعية، كنت دائمًا أعتقد أن النجاح يعني العمل المستمر والتخطيط الدقيق لكل دقيقة من اليوم. كنت أضع نفسي في ضغط دائم، وأشعر أنني إذا لم أكون مشغولًا 24/7، فإنني أفقد وقتي. لكن، في أحد الفصول الدراسية، بدأت ألاحظ أن تركيزي قلّ، وكانت أفكاري مشتتة. قررت أن آخذ خطوة للوراء وأترك بعض الوقت للاسترخاء والترفيه عن نفسي.

جربت أن أخصص وقتًا غير مُخطط له يوميًا فقط للراحة: نزهة بسيطة أو قضاء وقت مع الأصدقاء دون التفكير في الواجبات أو المشاريع. المفاجأة كانت أنني كنت أكثر إنتاجية في دراستي، وأصبحت أجد أفكارًا وحلولًا لم أكن أستطيع التفكير فيها عندما كنت في حالة ضغط دائم.

أعتقد أن التوازن هو المفتاح. الإنجاز ليس فقط في العمل المستمر، بل في إيجاد مساحة للتفكير والراحة التي تساعدنا على النمو والإبداع.

"الكسل الواعي"

ليس كسلا بقدر ما هو ذكاء والاعتماد على العمل بذكاء واغتنام الفرص الذي تمر أمامنا ولا نلاحظها لأننا منهمكين في العمل ونركز على كيفية انجاز عمل غير مهم على الاطلاق بشكل جيد جدا