نار الفقد، قهر يحرقنا أو يحولنا لمنارات تضيء للآخرين دروبهم.. في كتاب "نبأ يقين"، يروي الشرقاوي حكاية أب لم يستسلم للفقد، بل اختار الطريق الثاني وجعل آلامه آمالا من العطاء، إننا نتحدث عن قصة أب فقد ابنه في حادث مأساوي، وبدل الانغلاق على نفسه والغرق في حزنه، قرّر إنشاء مشروع خيري يحمل نفس اسم ابنه المتوفي، إنه لم يوقد بنار حزنه سراجا منيرا للغير وحسب، بل وصل​ للنور الذي يخرجه من حزنه أيضا، فقد أظهرت الدراسات النفسية الحديثة أن مثل هذه المبادرات الإيجابية، كالأعمال الخيرية، تساعد الأفراد على التكيف مع الخسارة وتعزز من شعورهم بالرضا والسلام الداخلي.

كأن الأب وقف على ضفة بحر من الحزن، لكنه اختار أن يبني قارباً ليبحر نحو العطاء، أتذكر هنا قصة زينب الغزالي الداعية المشهورة التي حكت في كتابها "أيام من حياتي" عن معاناتها مع القمع والظلم والتعذيب الذي تعرضت له، ومن رحم هذه المعاناة أسست جمعية السيدات المسلمات، التي كانت تهدف إلى تعليم النساء وتمكينهن دينيًا واجتماعيًا. عملت الجمعية على تقديم الدعم للأرامل والمحتاجات وتعليم الفتيات في المجتمعات الفقيرة، وكأنها حولت ألم معاناتها الى نور يمنع بقية النساء من تجرع نفس المعاناة!

هذا النوع من القصص لا يُلهمنا أو يُؤثر فينا فقط بل يجعلنا نتساءل أيضا كيف نستغل​ أعمق جروحنا وأحزاننا لشق الطريق لأعظم إنجازاتنا قبل أن تحرقنا نيرانها ويأسرنا اليأس؟