لا شك أن أي قارئ لديه بعض الكتب والروايات التي أخذت من نفسه موقعاً جميلاً وأحبها ولم يتمنى حين قراءتها أن تنتهي، وكذلك قد يرجع ويقرؤها مرات ومراتٍ دونما كلل أو ملل، وتبقى تلك الروايات العظيمة من وجهة نظرنا قليلة العدد إذا ما قارنَّاها بالحصيلة الجامعة لكل ما قرأناه. فلو طلبت منك الآن مجموعة من الروايات "على ضمانتك وذوقك" لأقرأها فلا شك أنك ستغطس بداخل عقلك وتفرز ما تتذكر من حصيلة قراءاتك السابقة، ولن ترشح لي إلا عدد قليل من الروايات التي "فعلاً" تراها تستحق القراءة، ولكن هذا بالنسبة للقارئ..فهل الأمر نفسه بالنسبة للكاتب؟
أولاً..أخبرني بأفضل رواية قرأتها..ولماذا؟
من خلال تجربتي لاحظت أن الكاتب يقرأ بعين مختلفة، يدرك النَّص بعقلية تلميذٍ يتعلم التقنيات الجديدة ويطلع إلى الأفكار المعروضة، وفي نفس الوقت يدركه بعقلية أستاذٍ وبعينِ خبير، حيث يضع يده على نقاط القوة والضعف في الرواية ويستوعبها بصورة أكبر من القارئ العادي .
كتب الروائي إسلام الفخري من قبل، أن أفضل طريقة للروائي لكي يتعلم فنون الرواية هو القراءة بغرض التعلم، وفضَّل تلك الطريقة على تعلم التقنيات الروائية من الكتب التي تتناول تلك التقنيات أو الورشات الكتابية التي تعلم ذلك في برنامجها التعليمي. وفي الحقيقة انا أتفق مع تلك الطريقة إلى حد كبير.
وفي كتابه "أوراق أخرى" يقول الكاتب أورهان باموق:
"إن تقدم الكاتب يعتمد بدرجة كبيرة على قراءة الكتب الجيدة، لكن القراءة الجيدة ليست هي تمرير العين والعقل ببطء وبحرص على النص، وإنما الغرق تماما في روح النص، وهذا هو السبب في أننا نقع في حب كتب قليلة فقط طوال حياتنا"
فنحن هنا أمام حالة فريدة من القراءة وهي ما أسماها "اوراهان باموق" ب "الغرق في روح النص" وهي حالة عاقلة جداً وليست مراهقة، حيث يصبح القارئ جزءاً من النص يعيش في أحداثه وتوافق طريقته ذوقه بنسبة عالية جداً نادرة التكرر، وفي أكثر من مرة أسمع كتاباً ذوي خبرة ينصحون الكتَّاب بتقليل القراءة والاهتمام بالجودة، وهي نصيحة مناقضة للنصيحة المعروفة والتي تقول ان الكاتب لا بد أن يكون معدل قراءته مرتفع جداً لأسباب كثيرة تخص تطوره المهني والفني، ولكنها نصيحة تؤخذ بعين الاعتبار خاصة أن بإمكان كتاب واحد أن يطوِّر الإنسان أكثر من عشرة كتب أخرى.
ولي مأخذٌ على تلك الطريقة في انتقاء الكتب ووصف الكتب بالجيدة أو الرديئة، فنحن في العادة لا نعرف ما إذا كان الكتاب جيداً أم لا إلا بعد قراءته، فليس من الصحيح "كما يرى معظم الروائيين والقراء" أن نترك كتاباً طالما بدأنا فيه.
لذا اختيار الكتب الجيدة يعتمد على الحظ بنسبة كبيرة، فحتى لو كان كتاب كتبت فيه عشرات المراجعات التي تمدحه هذا لا يعني بالضرورة أنه سيكون جيداً بالنسبة لنا.
ولكني أوافق تماماً على ما جاء ذكره في كتاب "أوراق أخرى" للكاتب أوراهان باموق، فتلك النوعية من الكتب تتسبب بشكل مباشر وغير مباشر في تنمية قدرة الكاتب الفنية.
والآن عزيزي القارئ : ما هي الطرق الأخرى التي بإمكان الكاتب أن يتبعها ليتطور أكثر من وجهة نظرك؟
التعليقات