الأسلوب هو الرجل: كيف تصبح كاتباً متميزاً لك أسلوبك الخاص؟

مرحبا صديقي مصطفى. لا أنت يا صديقي من تفرض أسلوبك على القراء؛ فأنت لا تنتظر منهم أن يًملوا هم عليك الأسلوب الذي ينبغي أن تكتب به. أنت المبدع وهم من يستقبلون افرازات إبداعك. ولكي يكونلك أسلوبك المميز، عليك بالنظر إلى ما تحب أن تكتب فيه ككاتب، لأن كل صنف أدبي (Genre) له خصائصه الذي لا يخرج عنها ولكن حتى داخل الصنف أو اللون الواحد، قد يكون بصمتك المميزة. ولتكون أسلوبك الخاص، عليك أن تقرأ كثيراً ( و أنا أثق من ذلك) و أن ترى من الكتاب الذين تحب أن تتشبه بهم ثم تنشأ على غرارهم و تحذز حذوهم. ولكن حذار من ذلك، فأنت لا يمكن أن تكون نسخة من أحد وإلا استغنينا بالأصل عن الصورة ولكن عليك أن تكون مقلداً في البداية حتى يتأصل أسلوبك بمرور الزمن و الخبرات و معرفة هويتك الكتابية أكثر.

بينما اقرأ المساهمة عن العقاد أول ما فكرت فيه هو طه حسين ومدى تضادهما وسعدت عندما وجدت المثال الأخر لطه حسين فعلًا. أما عن التفضيل فأنا أفضل طه حسين ككاتب وكأسلوب أما العاقد فأسلوبه جاف أكثر مما أحتمل رغم جودته. فهو كاتب رائع لكن لم يبهرني كما فعل طه حسين سواء في كتبه أو رواياته.

أسعدني ما خطت يمينك يا أمنيًة. وأتفق معك في أن أسلوب العقاد فيه من جفاف الصحراء وجلال المعابد في أسوان ما يجعل القارئ الغض يهابه في البداية. غير أنه لا يلبث بعد أو جلسة أو جلستين مع كتاب أو كتابين للعقاد مع الإحساس بعمق الرجل و إحاطته بالفكرة التي يعرضها. أنا شخصياً أجًل العقاد جداً و أتخذه نموذج الكاتب الفريد العصامي ذا الشخصية العصامية. أسلوب العقاد يطابق حياته تماماً وهو أسلوب - أتفق معك- ليس للجميع؛ لأنه أول ما يعلم، يعلم الفكر و الجدل الحجة بالحجة. لا يمكنك أن تلتقطي كتاب للعقاد وأنت على فراش النوم! كتب العقاد وأسلوبه ليسا للتسلية إطلاقاً. أما طه حسين فأنا أتعاطف معه و أقرأ له كثيراً أيضاً وأحب أسلوبه ولكن لا أجله قدر إجلالي العقاد؛ فهي كاتبي المفضل بحقٍ.

بالنسبة لي فافترض أن لدي أسلوبًا مميزًا فعلًا نابع من تركيبي وبيئتي وقراءاتي. وهو أسلوب ربما لا ألحظه بنفسي لكن يلحظه الناس ويشيرون له وهو لين أقرب من طه حسين إلى العقاد لأن قراءاتي أدبية أيضًا وكذلك أغلب كتاباتي.

جميل أن يميل أسلوبك إلى أسلوب طه حسين؛ فهو من هو في نهضتنا العربية المصرية الحديثة. و حقاً، طه حسين مؤلفاته خفيفة تروق للعامة لأنه يكتب أغلب ما يكتب في الجانب القصصي؛ أما العقاد فجُل ما يكتبه فهو كتب فكر و للفكر وهو يضع شخصيته فيها بما درس من آداب و فلسفات وعلوم؛ فهو موسوعة بحق.

يحدث أيضًا أنني قد أحاول استنتاج حياة شخص ما من كلماته بدلًا من العكس. فمثلًا عندما تقرأ أبيات شعر لأمل دنقل يقول فيها "قٌتل القمر.. قتله أبناء المدينة" فأول ما يجول بخاطرك أنه شخص يكره المدينة ومغترب عنها ويتضح ذلك عندما تكتشف أنه عاش عمره كله في الصعيد وأجبر على الذهاب إليها.

نعم، أمل دنقل صيعدي ريفي يا أمنيًة وأحسنت جداً حين استنتجت منشأه من أسلوب كتابته؛ فلا مناص أن تؤثر البيئة - شئنا أم أبينا - في أسلوبنا و تعاطينا مع الحياة عامة.

إذن، يا أمينة بما أنك تحبين طه حسين وأسلوبه هل تخططين مستقبلاً أن تنشري أدبيات؟

ربما لم أجد بعد أسلوبي الخاص، وأخاف أنني أعيش في ظل الكُتّاب الذين أحبهم

لم تجده الآن يا صديقي ولكن ستجده يوما ما. و لا ضير أن تتكئ على بعض الكتاب فتقلدهم في أساليبهم فكل كاتب يبدأ مقلداً حتى ينتهي أصيلاً يوما ما. هذا ما أعتقده.

 أو ربما قالوا هذا لأنني أستطرد كثيرًا في التفاصيل، وصدّقني يا خالد، إنني لا أحبُّ هذا، فقد أتكلم عن شيءٍ بسيطٍ في ثلاث صفحات، وأشعر أن التفاصيل الكثيرة تحتاج إلى طبيعة سرد لا تبعث ضجرًا في صدر القارئ

وما العيب في الاستطراد؟ فهو أسلوب متبع كثيراً ويعشقه بعض القراء وأنا أحيانا أميل إليه وأحب أن تتداعى الأفكار في ذهن الكاتب فينقلني من فكرة إلى أخرى ولكن في سلاسة ممتعة بحيث لا أحس ذلك الإنتقال وكأن الكاتب يحتال علينا ويعبث بنا ونحن راضون هانؤون. الإستطراد جميل لدى بالعض و لدى من يستطيع توظيفه من الكتاب.

وهذا الأمر الذي وجدتُ الكاتب الأردني أيمن العتوم لا يقدر دائمًا على فعله، فهو لا يحسن تمامًا استخدام الكلمات الثقيلة، وقد يُعبّر بكلمات كبيرة عن معاني عابرة وبسيطة دون أن يوظّفها بشكلٍ يثقل على القارئ، هل قرأت شيئًا لهم يا خالد؟ وهل تراها سلبية لدى الكاتب أن يستطرد كثيرًا في ذكر التفاصيل،

الحق يا صديقي أني لم أقرأ كثيرا في الأدب الروسي اللهم إلا بعض القصص القصيرة لأنتوني تشيكوف و أشياء لتولستوي و آخرين لم أعد أذكر أسمائهم. اما أيمن العتوم سمعت عنه ولكني صراحةً لم أقرأ له فهلاً شاركتني بعضاً من أعماله المميزة؟

في الحقيقة إكتشفت معالمه، بعد إصداري لأول رواية

وفقك الله نشوة في باقي أعمالك ولكن هلاً أخبرتني أسم روايتك وظروف تأليفها أو الأحرى طقوس التألف و الكتابة لديك وكيف تدور الفكرة المحورية في رأسك؟ يعني هل تضعين مخططاً لتأليف الرواية يتميز فيه البدء و الوسط و الختام؟ أم تكتبين وتدعين قلمك ينسال ثم تعدلين؟

بالفعل رأيت ملفك الشخصي محمد و قرأت بعض المساهمات الجيدة بحقِ عن خمسات ومستقل وغيرها. وجميل أن تعشق القراءة فهي صنو الكتابة و أختها وأتمنى لي ولك التوفيق.

مرحبا نبراس. للعقاد جانب قًلما يطلع عليه الناس يا صديقي وهو جانب " الشاعر الحساس". فخلف حياته القاسية العنيدة الجافة و بين ضلوعه يرقد قلب مشبوب الإحساس متوهج العاطفة. للعقاد شعر أراه لا مثيل له وأنصحك أن تبدأ بقراءة " ديوان من دواوين" ففيه درر متناثرات يا صديقي. ثم عليك بدرة شعره ( وهي تُعدً من أبدع ما كُتب في الشعر العربي قاطبة ولا نظير لها في إلا في الآداب الغربية) وهي : ترجمة شيطان.

أما العقاد ككاتب فمشهور جدا بالعبقريات: عبقرية محمد (صلى الله عليم وسلم) وعبقرية عمر و الصديق وغيرها.

ولّدت لديّ شغفاً تجاه مطالعة أعمال العقاد الذي سمعت أكثر من مرة أن كتاباته جافة مملة

نعم، يدعي البعض ذلك وكلُ خر في رأيه ولكن كتابات العقاد لا تصلح للتسلية ولا أن تقرأها قبل النوم. كتابات العقاد تعلمك أول ما تعلم كيف تفكر و الجدل المنطقى الرصين. فهو يحيط بالفكرة ويشبعها بحثاً و استقصاءاً حتى لا يدع زيادة لمستزيد.

بالمناسبة: شعر العقاد في بدايات حياته يميل إلى الرقة و الرومانسية و العواطف المشبوبة. أما بعد الأربعين يميل إلى التفكر و التأمل و التفلسف في شعره إلا القليل من أشعار حبه و أنا أقبل كل شيئ من كاتبي الأثير لدي ولكن غيري قد يراه جافا جدا و مملا ولكلِ مشربه.