عندما يجد شخص في نفسه بذرة لأن يصبح كاتب محترف، يمسك بالقلم ويحاول كتابة ما يخطر على باله، يؤلف قصة أو رواية، يكتب سيناريو سينمائي أو تليفزيوني، أو أي شكل أدبي أو فني آخر. وهنا تواجهه أول مشكلة، يجد نفسه لا يستطيع كتابة سوى بعض الجمل التي لا ترتقي لجزء صغير بالنسبة لمستوى الأعمال التي قرأها أو شاهدها، فالكاتب الهاوي يحاول تقليد أسلوب كتابه المفضلين، وهذا ليس عيباً أو نقصاً لديه، بل الوضع الطبيعي في هذه المرحلة، فيتسأل ماذا أفعل؟ من أين أبدأ؟ أظن أن جميع الكتاب واجهتهم هذه المشكلة في بداية محاولاتهم للكتابة الأدبية أو الفنية، وأنا أحد هؤلاء ولا أزال أتعلم حتى الآن.

لذلك وضع الباحثون في المجال الأدبي والفني عدة مسارات يمكن أن يتخذها الكاتب في بداية مشواره، كدليل له يبدأ من عنده. تنقسم هذه المسارات إلى قسمين رئيسيين، يندرج تحت كل منهما عدة أشكال.

القسم الأول يُطلق عليه تقنية اللوحة، والقسم الثاني تقنية المرآة، ومن هذين الاسمين يمكن استشفاف المقصود بهما، فتقنية اللوحة تعني أن ينقل الكاتب ما يراه أو يسمعه دون أن يُظهر رأيه الشخصي، كأنه يشاهد لوحة وينقل ما بها للقارئ أو المشاهد.

تنقسم تقنية اللوحة إلى:

▪︎أسلوب الراوي أو المراقب: هو الأسلوب المستخدم في معظم القصص والروايات، فالكاتب يكون بمثابة مراقب لشخصيات الرواية، يحكي عن طبيعة شخصياتهم، وأفكارهم، وكل ما يحدث لهم.

▪︎أسلوب المجرب: وبه يعرض الكاتب تجربته الشخصية، أو تجربة مماثلة لشخصٍ آخر.

▪︎أسلوب المحايد أو الصحفي: يقدم من خلاله العمل وكأنه يكتب مقال تحليلي لحادث ما، يقدم جميع تفاصيل الأحداث التي تعيشها الشخصيات دون التعاطف معها أو نقدها.

أما تقنية المرآة، فهى التي تسمح للكاتب أن يُظهر أرائه الشخصية، فهى انعكاس لما بداخله، وتنقسم إلى:

▪︎أسلوب الناقد: به يطرح الكاتب وجهة نظره المنحازة لقضية ما، ويبرهن على أسباب تحيزه.

▪︎الأسلوب التربوي الناصح: هنا يطرح إشكالية ما، ويقوم بتقديم حلول لها على مدار العمل، حتى يصل لحل حكيم في النهاية.

▪︎أسلوب الباحث أو المتسائل: وهو ما يقوم من خلاله الكاتب بطرح عدة أسئلة مُحيرة يقوم بمناقشتها، ويظل يتسأل لنهاية العمل، هذا الأسلوب دائماً ما يحفز ذهن المشاهد ويجعله يتجاوب معه، إن أُستخدم بطريقة صحيحة.

▪︎الأسلوب الإيجابي أو المتفائل: هذا هو أسلوب النهايات السعيدة، والخير ينتصر على الشر، فعندما ينتهي العمل يشعر القارئ أو المشاهد بالارتياح والسعادة.

هذه الأساليب التي تم ذكرها ما هى إلا خطوات استرشادية للكتاب المبتدئين، وليست قوالب ثابتة لا يمكن الإحادة عنها، حيث يمكن الجمع بين أسلوبين أو أكثر في عمل واحد. وعلى سبيل المثال، إن نظرنا لفيلم الضيف لإبراهيم عيسى، فسنجد أن أقرب أسلوب له هو الأسلوب الناقد، وفي نفس الوقت هناك أجزاء فى الفيلم ينطبق عليها أسلوب المتسائل، كالأحاديث التي دارت بين الشخصيات على مدار الفيلم، خاصةً عندما أعلن "سيف" الذي يجسد دوره أحمد مالك عن أفكاره المتشددة.

رباعية يوسف شاهين "اسكندرية ليه؟، وحدوتة مصرية، وإسكندرية كمان وكمان، وإسكندرية نيويورك" التي تتناول سيرته الذاتية، هل يمكن أن تندرج تحت أسلوب كتابة واحد؟ هذا مستحيل، ستجد بها تنوع بين أكثر من أسلوب، وهكذا في جميع الأعمال.

فعلى الكاتب أن يُظهر أسلوبه الخاص الذي يميزه عن غيره في الكتابة، هذا الأسلوب الخاص يظهر بشكل تلقائي مع الممارسة، فالأسلوب يفرض نفسه، فيمكن أن يأتي كاتب بأسلوب جديد لم يتبعه أحد قبله، هذا هو الإبداع، هذا هو الفن.

ما هو أفضل كاتب يجذبك أسلوبه، وما هو الأسلوب الأقرب لكتاباته من بين تلك الأساليب؟