رواية الأخوة كرامازوف، "لا تظن أنك تحب أحداً..إنما تحب ما تحصل عليه منه فقط"

بدايةً صديقي لقد أحببتُ هذا الطرح، ولم أقرأ في حياتي إلى الآن رواية أعظم من الإخوة كارامازوف، وإن امتلاك أيّ إنسان لهذه الرواية لهو أشبه بامتلاك كنز كبير عن النفس البشرية وصراعاتها وكل ما يجول ويصول في خباياها.

إذا كان حبنا لشخصٍ معين هو حبًا لأنفسنا وما نكون عليه معه، فلماذا يحدث هذا مع شخصٍ معين فقط؟

ولماذا تعتبر هذا أنانية؟

إذا كنّا نتغذّى من هذا الحب بما يتناسب مع مصلحتنا الشخصية وتكون هذه أنانية، ألا يجعلنا هذا مُتاحون للجميع؟ لماذا لا نشعر بهذا إلا مع شخصٍ واحد فقط؟

ولماذا يكون الفراق عسيرًا إلى هذا الحد طالما أن مصلحتنا هي شيءْ يمكننا تغذيته من الآخرين؟ ألا تجده أمرٌ جيد أن نشعر بمشاعر خاصة تجاه شخصٍ معين، مثلًا أن نشعر أننا أفضل في وجوده، وأن في إمكانه أن يمنحنا مشاعرًا غالية ولطيفة؟

بالطبع هذا يغدو غير صحي في حال كان لا يشعر مثلنا، فالعلاقة السليمة تحتاج إلى التبادل في المشاعر وفي كل شيء، فإذا كنت أمنحه مشاعرًا جيدة ونظرة أفضل لنفسه وهو يمنحني مشاعرًا جيدة ورضا أكبر عن نفسي، فهنا لا تكون العلاقة سامة، والمصلحة المتبادلة هي أمرٌ موجودٌ في كل علاقة، لكن ليست المصلحة السطحية التي نعرفها والتي لا يُعوّل عليها، وأنا أؤمن أكثر بالحب الذي له أسباب،

وفيما يتعلق بالسوشيال ميديا، فأجد أنها هي من شوّهت مشاعرنا وعكّرت صفو عواطفنا، لأنها قائمة في الغالب على التصوّر وبعيدة جدًا عن الواقع وقد تكون في كثيرٍ من الأحيان ضربٌ من الوهم،

هل ترى مثلي مدى أهمية أن لا نحب شخصًا قبل أن نجلس سويًا معه على طاولة واحدة في لقاءٍ نراه ويرانا ويتحدث إلينا ونتحدث إليه؟

وإلى أي درجة يمكن لسوء الفهم وغياب التفاهم أن يخلق فوضى في العلاقة؟

فإني أرى أن الحب الصادق يظهر أكثر كلما قلت منافعك وازدادت "دون انتظار للمقابل" عطاءاتك.

لا أتفق معك في هذه النظرة عبدالرحمن. لأنه لا يوجد ما يسمى بالحب الغير مشروط. كل علاقة نأخذ منها وكذلك نعطي ويجب أن ننتظر مثلما نتقدم بالتقديم. وبحدوث التوازن بين الأخذ والعطاء تصل العلاقة أيا كان نوعها لأعلى الدرجات. حتى العلاقة بين الآباء والأبناء ليست "غير مشروطة" بالكامل بل إنها تفقد بعض مودتها إن كان هناك طرف يأخذ فقط ولا يعطي.

لذلك فلا أرى ضررًا من انتظار العطاء والسعادة به ومحبة الشخص لأجله.

أنت لا تحب الشخص لذاته بل للمنافع التي تحصل عليها منه

ولكن لا أوافق الجملة أيضًا بشكل كامل. فلا تعارض بين أن نحب الشخص لأشياء لا تفيدنا بشكل مباشر وأن نحبه لأشياء تفيدنا بشكل مباشر. فربما تحب شخصًا ويكون جزء من أسبابك أنه "إنسان خيَر متصدق" وهو لم يتصدق عليك بشيء ولكنها صدفة جميلة حتى لو لم تطلنا بمنافع مباشرة. وربما تعجب بشخص لأنه "مجتهد" وغيرها.

لذلك فلا تعارض بين أن تحب المنافع وأن تحب الشخص ذاته حتى لو لم يكن يأتيك منه أي منفعة معنوية. ولكن إن لم تكن هناك أي منفعة متبادلة وأنت تعطي فقط فلا مبرر للبقاء في هذه العلاقة مهما كنت تحبه وهذا مربط الفرس. أتعتقد أن هناك فرقًا بين أن تحب شخصًا وأن تشترك في علاقة من أي نوع معه؟

وهل تتفق مع جملة "أنت لا تحب الشخص لذاته بل للمنافع التي تحصل عليها منه"؟

أعتقد أن الحب البشري من الطبيعي أن يرتبط بالمنافع التي يحصل عليها الشخص منه، بل إن البعض يعبر عن حبه بجملة "أحببت نفسي معك" أو "أحب وجودك في حياتي"، والعلاقات أخذ وعطاء وفي الحب نحن نتوقع الأفضل ممن نحب، ونريد أن يحبنا الآخرون بأفضل شكل، نريد حُباً يسعدنا ويعلمنا كيف نحب أنفسنا والحياة، حباً يشعرنا بأننا الأفضل وأن لنا الأولوية، ولكن الإختبار الحقيقي يأتي عندما يحصل العكس، عندما يؤذينا هذا الحب، عندما لا يرتقي إلى توقعاتنا له، عندما يتحول ذلك المحبوب إلى كائن سيء أو ربما فقط مُتعب، حينها تظهر حقيقة هذه المشاعر.. هل ستتخلى عن حبك فوراً عند أول منعطف أم أنك ستحاول التمسك به أكثر .

لنحلل حب الأخوة، قد أقول عن أخي أنه الأسوء على الإطلاق، قد تتضاعف بيننا المناوشات وتُلغى الهُدنات، قد يخرج غاضباً أو يغلق الهاتف في وجهي عندما أتصل، ولكن شيئاً ما يربطنا ببعضنا، يظل يجذبنا إلى هذه العلاقة "التوكسيك" مجدداً، شيء ما يجمعنا على طاولة الطعام نحكي ونضحك وكأن شيئاً لم يحدث .

مصطلح العلاقة السامة المنتشر في مواقع التواصل الإجتماعي قد أصبح سبباً في هدم الكثير من العلاقات بين الناس، لأنه أصبح يصور أي تصرف بسيط أنه سبب كافٍ لقطع علاقة كاملة، أصبحنا لا نطيق بعضنا ولا نتحمل أي خطأ بسيط ولا نعذر، فقط لأن تلك الصديقة أخبرت صديقتها بأن علاقتها بزوجها "توكسيك" لأنهما لم يسافرا المالديف .

من جهة أخرى توجد علاقات سامة فعلاً، تسمم دواخلنا وتستنزف مشاعرنا، وهذه لابد لنا من محاولة الإبتعاد عنها والإستشفاء من آثارها، فلا خير في حب يقتل صاحبه كل يوم .

لم أجد في الحديث ما أشبَع لديّ الشعور الحقيقي بالحبّ، هل أنا أنانية إذًا ؟

هل لأنّي فقط أريد أن أستشعر قُرب مَن يحبني وأن تصحبني خطواته ومقاسمته لي أمري ، فبهذا أكون قد أحببت فِعله فقط ونزعت عنه حبي له ؟!

إذًا لماذا وُجدت ( لِتسكنوا إليها ) ، كيف نسكُن إذًا إن لم نجد ما نلتمس مِن فِعله إيضاحًا لنا بمشاعره!

دعنا لا نخلط بين أمرين هامّين يا عبد الرحمن .

كَوني أنتظر ممّن أحبُّه أفعالًا ليست بمقدوره، أضعه في خانة التعجيز، أقارنه بغيره وأبني حياتي على النظر للمحوّطات من حولي ( فهذا مذمومٌ ولا يصلح أن يرتبط به مُسمّى الحب )

لكن ؛ كوني أحبُّ أن تكون دوافع الرقيّ في علاقتنا، نشأة التشبث، توطدّ المشاعر .. هذا لا أراهُ بعد وجود القَبول إلا من خلال (( أفعالٍ صادقة ))

أحبُّه، إذًا قبِلتُ مقاسمتي له دربَه، إذًا سيسعى كلٌّ منا للحفاظ على شريكه وإظهار هذا بفعلٍ صادق، وبالمناسبة ( الفِعل الصادق قد يظهر في ربتة حنوّ بعد يومٍ طويل مليء بالأعباء، في كوب شاي أثناء انهماك بالعمل ، حتى في منشور مثير للمزاح قررت أن أقتسمه معه فقط لأرى منه ضحكةً صافية )

ولا ننكر أبدًا وجود أوقات تقصير ، حيثُ تقتصر طاقة الإنسان فيها وحينها يدعمان بعضهما البعض ليجدّدا حبّهما وطاقة الرحمة بينها.

الحب غير المشروط هو رغبة وأمنية لنا جميعًا، أن نجد ذاك الشخص الذي يُحبنا لأننا نحن وفقط، لا لأننا ناجحين أو متميزين، طيعين أو خيرين. أغلب سوء السلوك، والشر يكون لأن الشخص لم يجد من يحبه لذاته وفقط من وجهة نظري.

للأسف الحب غير المشروط صار نادرًا اليوم؛ بسبب الفقر المعرفي عن العلاقات الصحية، وكيفية نجاح العلاقات. اغلب المرضى النفسيين تكون احدى شكواهم أنهم لم يجدوا ذلك الذي يمنحهم هذا الحب الغير مشروط.

الحب المشروط للأسف يجعلنا على الدوام في سباق لتحقيق كل ما يضمن لنا أن نحصل على حب الجميع، ورضاهم عنا، نخاف من أي خطأ قد يكون سببًا في فقدان هذا الحب

السوشيال ميديا تاثيرها عميق على علاقاتنا بالطبع؛ فهي تجعلنا في وضع مقارنة على الدوام بين علاقتنا وعلاقات الآخرين من حولنا، تضغط علينا بالشجارات والنقاشات المستميتة حول العلاقات في كل صفحة ومنشور.

السوشيال ميديا وضعت مقاييس وحدود للعلاقات، من يخلافها يحكم على علاقاته بالفشل الصريح. فتجد الكل في سباق عنيف للوصول إلى تلك المقاييس وتحقيقها بشكل جذري.