منذ أيام وبينما كنت ابحث عن كتاب اقرأه وقعت أمامي رواية (جزيرة الكنز) من تأليف روبرت لويس ستيفنسون، وترجمة محمد عبد الحافظ ناصف ومنشورة في المركز القومي للترجمة. وحينما قرأت الاسم تذكرت فيلم الكرتون المحبب لقلبي على سبيستون (جزيرة الكنز) وكلمات الأغنية الأشهر التي كانت يُرددها (جون سيلفر) أحد شخصيات المسلسل (خمسة عشر رجلًا ماتوا من أجل صندوق).
بدأت في القراءة، طبعًا كانت الأحداث مختلفة قليلًا عن الكرتون، أشياء محذوفة، وأشياء مضافة، ولكن الروح واحدة.
نفس الأمر تكرر وأنا اقرأ (البؤساء - صاحب الظل الطويل) وغيرها من الروايات التي شاهدتها كرتونًا وأنا طفلة أولًا، ثم قرأت العمل الأصلي لها وأنا شابة.
إن سبيستون القناة اثبتت على مدى عقود مدة قوتها مقارنة بالعديد من القنوات الأخرى، ومدى قيمة المحتوى المعروض عليها والفائدة التي تعود على الصغار منه، سواء على مستوى اللغة، أو السلوكيات، أو حتى سعة الاطلاع والثقافة التي يتحصل عليها ذاك الطفل بعدما يصير شابًا كبيرًا ومدركًا لكل ما تعلمه على مدار مشاهداته تلك.
ولكن هل النسخة المنقحة لتلك الأعمال تكون بذات الفائدة المعرفية كالنسخة الأصل لها؟
ما عرفناه بعدما كبرنا أن أغلب الكارتونات التي كانت تُعرض على هذه القناة كانت منقحة بشكل كامل، سواء على مستوى ما ترتديه الشخصيات، فالفتيات إن كنا يرتدين لباسًا مكشوفًا قليلًا يتم تعديل هذا وتغطية ما هو مكشوف من جسدها قليلً بما يتناسب مع مجتمعاتنا، إن كان هناك من يشرب الخمر يتم تغيير الترجمة وتسميته بأي شيء آخر، إن كان هناك مشهد خادش للحياء، أو غيره يتم تغييره تمامًا. وحتى على مستوى أحداث الرواية، وأنا اقرأ رواية (جزيرة الكنز) أدركت العديد من التغييرات لعدم تناسبها مع ثقافتنا بالطبع والأخلاق التي ننص عليها في مجتمعاتنا.
هل هذا يُفيد على المستوى الأخلاقي؟ أم أنه حرص زائد لا فائدة منه؟ هل هذه التغييرات تعد تحريفًا للعمل وتحريف لرسالته؟ أم أنه لا بأس بها طالما أن الروح واحدة؟
من جهة أخرى فإن بعض هذه الأعمال الروائية كانت تحمل بين طياتها بؤسًا شديدًا، وآلامًا لا حد لها. إن بعض الخبراء التربويين كانوا يحذرون من مشهد {موت موفاسا في فيلم الأسد الملك (سيمبا)} لما له من تأثير سلبي شديد على مشاعر الطفل الغير ناضجة، واحتمالية اصابته بصدمة نفسية ما نتيجة لهذا المشهد تحديدًا إن كان هذا الطفل ذو شخصية حساسة بشكل زائد. فماذا عن هذه الأفلام الكارتونية البائسة؟ رواية وكرتون (البؤساء) مثلًا كم غير محدود من الحزن والبؤس والبكاء، هل هذا مفيد للطفل؟ أم أن فيه تأثير سلبي على مشاعره أكثر من الفائدة المرجوة؟
النقطة الأخيرة والتي ربما لا تكون ذات أهمية للطفل أكثر من البالغين أمثالي، والذين ما زالوا يُتابعون سبيستون بشكل طبيعي كالأطفال، هو جودة العمل وسياقه بعد الحذف والتنقيح لبعض المشاهد، فربما تشعر في لقطة أو أخرى بعدم اتساق المشاهد معًا، أو أن هناك شيء ما ناقص أو غير مرتب. هذا بالطبع لم أكن انتبه له وأنا طفلة، ولكن اعترى انتباهي بعد الكبر، وخاصة بعدما عمدت إلى البحث عن الأعمال الأصلية لهذه الكرتونات دون دبلجة، أو حتى قراءة النصوص الخاصة بها.
وهذا جعلني أفكر في آلية أن تعمد قناة عظيمة كهذه إلى صنع الأفلام بنفسها، سواء من رسومات لتحريك، لأصوات لموسيقى وغيرها، ألن يكون هذا أفضل من جهة الرسالة الموجهة للطفل بشكل متسق، ويكون لدينا محتوى عربي مناسب 100%؟ أو حتى تحويل الأعمال الروائية العالمية لكرتون بشكل ذاتي من خلال القناة وليس شراء الحقوق من المصنعين، أليس هذا ممكنًا؟ أم أنه يخضع لقوانين وقواعد لا آخر لها وذات صعوبة بالنسبة لقناة عربية؟
أيًا كانت الإجابات هذا لن يُغير من حقيقة أن سبيستون كان لها تأثير عظيم على متابيعنها من الأطفال على مدى سنوات، وخاصة أولئك الذي اكملوا المشوار ودخلوا لعالم القراءة، والكتابة، واللغة العربية فعرفوا ما زرعته فيهم هذه القناة من حب للغة العربية، وقوة وبلاغة وطلاقة لسانهم، وما كانت سببًا فيه من التعرف على تراث عالمي قوي.
التعليقات