استهواني عنوان كتاب " نقد الحداثة" للكاتب آلان تورين، كونه يلمح لمعضلة فلسفية ويطرح إشكال عميق المعنى. المتمثل في هل تشكل الحداثة فكر عقلاني أم ثوري؟ الحقيقة بعد قراءة الكتاب شعرت حقا أن الكاتب يطرح في كتابه موضوع ذو أهمية مجتمعية وفلسفية. جعلني أتساءل، هل يعقل أن يجمع كتاب واحد كل هذا الكم من الآراء الفلسفية ؟ وهل يؤثر إختلاف مفاهيم الحداثة على عملها أم يجعلها قادرة على التطور؟

يرى الكاتب أن القوة الأساسية للحداثة تتمثل في استطاعتها على فتح عالم مغلق، فقد عملت على الاستحواذ على العديد من المصادر المسيرة للعالم اليوم وتحكمت تماما في العالم في شكل؛ أراضي للمناورات العسكرية وبرامج التلفزيون ومستودعات للمواد الخام وغيرها. والأغلبية اليوم لم تعد تقتنع بالتعارض الذي كانت تواجهه الحداثة الذي تشكل الفارق بين الماضي المظلم والحاضر المضيء.

عرّف لنا تورين في أول جزء المعنون ب " الحداثة المنتصرة" على أنها عملية التفريق بين قطاعات الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والحياة العائلية والدين والفن وربطها بالعقلنة التي تقوم على أن " العقل هو الذي يوجه النشاط العملي والتقني ويوجه حكم البشر وإدارة الاشياء" فهو منافي للطبيعة البشرية والتقاليد والمعتقدات الواهمة. فهو يعمل دائما على التخلص من المعتقدات وعلى جميع أشكال الأفكار التي لا تقوم على أدلة علمية.

بالرغم من كل هذا الكم من عمل الحداثة حسب الفلاسفة، إلا أن فلاسفة التنوير حددو مفهوم على نحو ثوري على أنه لا يحدد لا ثقافة ولا مجتمع، بل يعمل على إيقاد الكفاح ضد المجتمع التقليدي أكثر من أن يلقي الضوء على آليات عمل مجتمع جديد! فكما جاء حسب وجهة نظر الكاتب " الحداثية لم ترتبط بالديمقراطية بل هي ثورية محضة" . رغم هذه الأفكار التي تكتنزها مفاهيم الحداثة إلا أنها تعرضت إلى أزمات؛ كنفاذ الحركة المبدأية في التحرر وفقدان المعنى في ثقافة حبيسة الفعل الأدائي دون النظري وأزمة نقد أهداف الحداثة. إلا أن مفهومها عند الكاتب متجذرة في كونها أنها تحرير للذات.

كيف ترون الحداثة اليوم ؟ وهل هي مرتبطة بحداثة القرن الثامن عشر المذكور في الكتاب؟